مفهوم التنوير وحياديته

    يُعد مفهوم التنوير من المفاهيم المهمة والمعقدة التي شهدت تطورات متعددة عبر العصور. يرتبط التنوير عمومًا بفكرة استخدام التفكير الحر والنقد الموضوعي العلمي لتعزيز الفهم والمعرفة، وهو محاولة لبعث التفكير الحر والنقد المنطقي ومحاربة الخرافات والتقاليد الموروثة الباطلة،والتنوير مفهوم قرءاني ومطلب،  فالقرءان نور  والأنبياء أئمة دعوة وتنوير، ورغم ذلك، فإن التنوير لم يكن مفهوماً ثابتاً، بل تم استخدامه وتوظيفه بطرق مختلفة من قبل جهات متعددة، مما أدى إلى تباين في معانيه وأهدافه.

    تعددية استخدام التنوير

    التنوير ليس حكراً على جماعة أو جهة معينة، بل تم توظيفه من قبل العديد من الحركات والأيديولوجيات عبر التاريخ. على سبيل المثال، كانت الماسونية إحدى الحركات التي استخدمت مفهوم التنوير كوسيلة لتعزيز القيم الإنسانية والعقلانية، مع التركيز على الحرية الفردية والعدالة. كما أسهمت حركة التنوير الأوروبية، التي ظهرت في القرن الثامن عشر، في إعادة تقييم العديد من المفاهيم الاجتماعية والسياسية، مما ساعد على إرساء مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في الجانب الروحي، نجد أن التنوير كان له حضور في الكابالا اليهودية، حيث يُعتبر الكتاب الزوهار مصدراً أساسياً لفهم الفلسفة اليهودية الروحية. هنا، يستخدم التنوير كوسيلة لفهم الذات والعالم من حولنا، بعيدًا عن التفسيرات التقليدية.

   حركة التنوير في العالم الإسلامي

    أما في العالم الإسلامي، فقد ظهرت حركات تنويرية عديدة على مر العصور، تتنوع بين الفلاسفة والمفكرين الذين دعوا إلى استخدام العقل والنقد. من أبرز هؤلاء المفكرين، يمكن الإشارة إلى الطهطاوي ومحمد عبده وغيرهم، اللذين ساهموا في نشر الفكر التنويري في المجتمعات العربية والإسلامية، مما أدى إلى حراك فكري وثقافي.

    عدم تابعية الحركات التنويرية

    من المهم التأكيد على عدم وجود علاقة مباشرة بين دعاة التنوير في مختلف الأزمنة والأماكن. لا يمكن اعتبار كل من يدعو إلى التنوير تابعًا لجهة معينة، فالتنوير كمفهوم واسع يشمل مجموعة متنوعة من الأفكار والممارسات. إن محاولة ربط التنوير بأجندات محددة تُعتبر تسطيح وتفتقر إلى الفهم الشامل لهذا المفهوم.

    الخاتمة

   يظل التنوير مفهومًا حياديًا يمكن أن يُستخدم بطرق متعددة، سواء لأغراض إيجابية أو سلبية. من المهم تحليل كل حالة على حدة، وفهم السياقات التاريخية والثقافية التي شكلت استخدامات هذا المفهوم. إن التنوير، في جوهره، يدعو إلى العقلانية والنقد، ويُعد أداة هامة للتقدم الفكري والاجتماعي، بصرف النظر عن سوء استخدامه في بعض الأحيان من قبل جهات معينة لخدمة أجندة سرية . لذا، فإن كل دعوة للتنوير يجب أن تُقوَّم بناءً على سياقها وأهدافها، وليس من خلال تهم عامة مثل العمالة والخيانة ومحاربة الحق والأخلاق…الخ، وهذا يؤدي إلى التشويش وعدم الفهم الصحيح لهذا المفهوم الجوهري.