هل جمع أموات مثل جمع أحزان

    يُعدّ اللسان العربي لساناً حيوياً وروحياً ومنطقياً، وقد حظي دراسة بنيته ودلالتها اللسانية باهتمام كبير عبر القرون. ومن القضايا اللسانية المعقدة التي تُثار في علم الدلالة هي مسألة المصادر في اللسان العربي وإمكانية جمعها، لاسيما عندما يتعلق الأمر بكلمات مثل “موت” و”حزن” و”فرح”.

     دلالة كلمة “موت” وخصائصها كمصدر

    كلمة “موت” في اللسان العربي مصدر، والمصادر تُعبر عادةً عن الحدث أو الحالة دون أن ترتبط بتعيين زمان أو مكان محدد. في القاعدة اللسانية، المصادر لا تُجمع؛ لأنها تدل على معنى مجرد أو غير معدود، إذ إن جمع المعنى المجرد يناقض طبيعة المصدر ذاته، الذي يُشير إلى الحالة أو الفعل في مطلقه. لذا، كلمة “موت” لا تُجمع عادة إلا في سياقات محدودة جدًا، تهدف إلى التمييز بين أنواع الموت أو حالاته المتعددة، فيقال “موتات” عند الضرورة. ومع ذلك، يبقى هذا الجمع محدود الاستعمال، وغير شائع في التعبير العربي الفصيح.

      المفارقة مع “حزن” و”فرح” وجمعهما

     عند النظر إلى كلمات مثل “حزن” و”فرح”، نجد أنها أيضًا مصادر، ومع ذلك، نجد لها جمعًا معترفًا به وشائعًا: “أحزان” و”أفراح”. هذه الظاهرة تعود إلى خاصية الدلالة في اللسان، حيث إن “حزن” و”فرح” وإن كانتا مصدرين، فهما يتصفان بإمكانية التعدد؛ أي أن حالة الحزن أو الفرح يمكن أن تتكرر أو تتعدد في الحياة الواقعية. نتيجة لذلك، صار من المقبول لسانياً أن تُجمع هذه المصادر لتشير إلى تجلياتها المختلفة والمتكررة.

على سبيل المثال، “أحزان” تشير إلى حالات متعددة من الحزن التي مر بها الإنسان، و”أفراح” تشير إلى مناسبات أو لحظات متنوعة من الفرح. هذا الجمع يعكس تطور اللسان في التعامل مع مصادر يمكن أن تُرى في سياقات متنوعة وكثيرة، مما يمنحها صفة قابلة للجمع.

    لماذا لا تكون “أموات” جمعًا لكلمة “موت”؟

    هنا، تتضح نقطة الخلط اللساني. كلمة “أموات” ليست جمعًا لكلمة “موت”، بل هي جمع لكلمة “ميّت”، وهي صفة تُستخدم لوصف الأشخاص الذين فقدوا الحياة. كلمة “ميّت” تُجمع على “أموات” للدلالة على الأفراد الذين ماتوا، وليس على مفهوم الموت نفسه. الفرق الأساسي هنا هو أن “موت” تشير إلى الحدث أو الحالة، بينما “ميّت” تشير إلى الكائن أو الشخص الذي تعرض لهذه الحالة.

    المنطق اللساني وراء عدم جمع “موت”

   عدم جمع كلمة “موت” ينبع من طبيعتها كمصدر دالّ على حالة مطلقة ومجردة. اللسان، بطبيعته، يميل إلى جمع ما يمكن إدراك تعدده وتنوعه، مثل الأشخاص (ميّت وأموات) أو الشعور المتكرر (حزن وأحزان، فرح وأفراح). أما “موت”، كحالة مجردة، فلا مجال لتعددها في سياق المعنى الأصلي إلا إذا دعت الضرورة البلاغية أو السياقية إلى ذلك، فتظهر تعبيرات مثل “موتات” لتشير إلى أنواع أو تجليات مختلفة من الموت، وهي حالات نادرة.

    الخلاصة

    في نهاية المطاف، يبرز هذا التمييز بين كلمة “موت” وكلمات مثل “حزن” و”فرح” كمثال على كيفية تعامل اللسان العربي مع الدلالة وفقًا لخصائص المصدر والاسم والصفة. اللسان، بثرائه وعمقه، يعكس عبر هذه الظواهر قواعد منطقية مبنية على تجربة الإنسان وحاجاته في التعبير، وتظل مفتوحة لتطورات دلالية تبعًا لاستعمالات الناس وأغراضهم التواصلية.