الثابت والمتغير في الفيزياء ومنهج الحنيفية في القرآن

      الكون الذي نعيش فيه تحكمه قوانين فيزيائية دقيقة تعبر عنها الثوابت الفيزيائية، وهي قيم راسخة لا تتغير، تضفي على الكون نظامًا واتساقًا. هذه الثوابت الكونية تعكس حكمة الخالق في خلقه نظامًا مستقرًا، يمكن وصفه والتنبؤ به. ومن المثير للتفكر أن هذه الرؤية العلمية للكون لها نظير في منهج القرآن الكريم الذي يقوم على مبدأ “الحنيفية”، وهو منهج يجمع بين الثابت والمتغير، بما يعكس توازنًا إلهيًا في الحياة والوجود، ويعزز الإيمان بوحدانية الخالق وحكمته.

    تعريف الثوابت الفيزيائية

    الثوابت الفيزيائية (Physical Constants) هي كميات أساسية في العلوم الطبيعية تظل ثابتة في جميع أنحاء الكون، تعبر عن خصائص جوهرية للطبيعة وتلعب دورًا جوهريًا في تحديد القوانين التي تحكم الفيزياء والعلوم بشكل عام. هذه القيم الثابتة لا تتغير مع تغير الظروف أو المواقع، مما يجعلها حجر الزاوية في الفهم العلمي للكون.

    على سبيل المثال:

  • سرعة الضوء في الفراغ (c): الحد الأقصى لسرعة انتقال المعلومات والطاقة، وهي قيمة ثابتة تقدر بحوالي 3×1083 \times 10^83×108 متر/ثانية.
  • ثابت الجاذبية العام (G): يعبر عن شدة قوة الجاذبية بين الكتل، بقيمة ثابتة تبلغ 6.674×10−116.674 \times 10^{-11}6.674×10−11 نيوتن متر²/كغم².
  • ثابت بلانك (h): يربط الطاقة بتردد الموجات في ميكانيكا الكم، ويبلغ 6.626×10−346.626 \times 10^{-34}6.626×10−34 جول ثانية.
  • الشحنة الأولية (e): الشحنة الكهربائية للإلكترون، وتبلغ 1.602×10−191.602 \times 10^{-19}1.602×10−19 كولوم.

هذه الثوابت تمنح القوانين الفيزيائية اتساقًا يمكن الاعتماد عليه، وتضمن استقرار الكون وتناغمه. ولكن في المقابل، هناك أيضًا متغيرات فيزيائية، مثل درجة الحرارة والضغط، التي تتغير حسب الظروف، مما يعكس الطبيعة الديناميكية للكون.

     مفهوم الثابت والمتغير في الفيزياء والقرآن

  • الثابت: هو العنصر الذي لا يتغير، كما يتجلى في الثوابت الفيزيائية، مما يوفر النظام والاتزان. في القرآن، الثابت هو المبادئ والقيم الأساسية التي لا تتغير، مثل الإيمان بالله، والعدل، والحق.
  • المتغير: في الفيزياء، يشمل المتغير ما يتبدل حسب الظروف، مثل حركة الأجسام والطاقة الحرارية. في القرآن، المتغير هو الأمور التي تتغير مع تغير الظروف، مثل الأحكام الفقهية التي تتبدل حسب الزمان والمكان، والتفاعلات الاجتماعية التي تتطلب اجتهادًا مستمرًا.

    الحنيفية: التوازن بين الثابت والمتغير

      مفهوم “الحنيفية” في الإسلام يعكس التوازن بين الثابت والمتغير. الحنيفية، بمعنى الميل والحركة نحو الحق، تتضمن حركة ديناميكية مستمرة ضمن إطار ثوابت راسخة. الكلمة “حنيف” تأتي من الجذر “حنف”، الذي يعني الميل والتحرك والانتقال باتجاه الصواب، وليس مجرد الابتعاد عن الباطل، بل هو حركة نحو الأمام في سياق ثابت من المبادئ الإلهية.

  • قوله تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله (سورة الروم: 30)، تعبر عن أن الحنيفية جزء من النظام الفطري الذي أوجده الله في الإنسان وفي الكون.
  • قوله تعالى: وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلًا لا مبدل لكلماته (سورة الأنعام: 115)، يشير إلى ثبات كلمات الله وقيمه.

     الحنيفية في الكون والقرآن: علاقة عميقة

    العلاقة بين الحنيفية في القرآن والنظام الكوني المتمثل في الثوابت الفيزيائية تعكس وحدة المصدر: كلاهما من لدن خالق واحد، عليم حكيم وقدير. فالنظام الكوني الذي يحتوي على ثوابت ومتغيرات هو ذاته النظام الذي وضعه الله للناس في القرآن. هذه العلاقة تؤكد أن الكون وما فيه من قوانين ثابتة ومتغيرات دقيقة هو تجسيد لحكمة الله، تمامًا كما أن الشريعة الإسلامية تجمع بين المبادئ الثابتة والتطبيقات المرنة التي تتطور مع الزمن. وهذا معروف بالنظرية الحدودية.

     دلالة هذا التوازن

  • الثوابت الفيزيائية، مثل سرعة الضوء وثابت بلانك، تضمن للكون استقراره وانسجامه.
  • الثوابت القرآنية، مثل الإيمان والعدل، تضمن للإنسانية استقرارها الأخلاقي والروحي.
  • المتغيرات، سواء في الكون أو في الشريعة، تسمح بالحركة والتطور، بما يعكس مرونة الخلق وتكيفه مع الظروف المختلفة.

   الخلاصة

   الحنيفية في الدين الإسلامي ليست مجرد ميل عن الباطل، بل هي تحديث و حركة مستمرة نحو الحق في إطار من الثوابت الإلهية. هذا المفهوم يعكس النظام الكوني المتوازن بين الثابت والمتغير، ويؤكد أن كليهما صادر عن خالق حكيم عليم. التوازي بين الفيزياء ومنهج القرآن يثبت أن الكون والدين كلاهما ينطوي على نظام محكم متكامل، يشهد على عظمة الله وقدرته المطلقة في الخلق والتدبير.