تأسيس الأحزاب الشيوعية والإسلامية السياسية في منطقة الشرق الأوسط

       شهد القرن العشرين أحداثاً سياسية واجتماعية وثقافية هامة في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت هذه المنطقة ساحة رئيسية للصراعات العالمية بين القوى العظمى، خصوصًا في سياق الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. وسط هذا السياق، برزت الأحزاب الشيوعية كعنصر أساسي في المعادلة السياسية للمنطقة، في حين كان للغرب استراتيجيات مضادة للحد من النفوذ السوفيتي وتوسّع الشيوعية.

  1. تأسيس الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط

أ. انتشار الفكر الشيوعي:

ظهر الفكر الشيوعي في الشرق الأوسط بداية من عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مستفيداً من المد الأيديولوجي الذي قاده الاتحاد السوفيتي بعد الثورة البلشفية. كان الاتحاد السوفيتي داعمًا قويًا لهذه الأحزاب، مُقدّماً المساعدات المالية والأيديولوجية والتدريب السياسي، بل أحيانًا الدعم العسكري لبعض الحركات الثورية. وكان الهدف الأساسي للسوفييت تعزيز نفوذهم وتوسيع دائرة الحلفاء لمواجهة القوى الغربية.

ب. تبعية الأحزاب للاتحاد السوفيتي:

معظم الأحزاب الشيوعية في الشرق الأوسط كانت تتبنى أجندات تتوافق مع المصالح السوفيتية. وهذه التبعية ظهرت في عدة أشكال، منها:

  • الولاء الأيديولوجي: تبني الفكر الماركسي اللينيني كقاعدة فكرية وسياسية، مع الالتزام بالتوجيهات القادمة من موسكو.
  • التوجه السياسي: التركيز على النضال ضد القوى الإمبريالية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، كجزء من الحرب الأيديولوجية ضد الغرب.
  • العمل ضد الحكومات الوطنية: أحيانًا كانت الأحزاب الشيوعية تعمل بشكل صريح ضد الحكومات الوطنية، إذا لم تتماشى مع التوجه السوفيتي، مما أثار اتهامات بأنها تسعى لتقديم مصالح السوفييت على مصلحة أوطانها.

ج. الأجندة الشيوعية في المنطقة:

سعت هذه الأحزاب لتحقيق إصلاحات اجتماعية جذرية، منها:

  • توزيع الثروات: المطالبة بتأميم الموارد الطبيعية مثل النفط، مما كان يخدم الأجندة السوفيتية الهادفة لزعزعة السيطرة الغربية على الموارد.
  • نشر الفكر الثوري: إثارة الحركات العمالية والمطالبات الاجتماعية كأداة لزيادة الاضطرابات والتأثير على الحكومات.
  1. ردود الفعل الغربية: تأسيس ودعم تيارات إسلامية

أ. ظهور الإسلام السياسي كقوة مناقضة:

في مواجهة انتشار الشيوعية وتأثير الاتحاد السوفيتي، بدأت بريطانيا والولايات المتحدة في دعم وتوجيه تيارات الإسلام السياسي. لم يكن هذا الدعم دائمًا مباشراً، لكنه شمل:

  • تمويل الحركات الإسلامية: تقديم الدعم المالي والتدريب العسكري لبعض الجماعات الإسلامية، بهدف استخدامها كأداة ضد الأحزاب الشيوعية.
  • الدعم الفكري والأيديولوجي: دعم المؤسسات الدينية المحافظة ونشر الفكر الإسلامي كوسيلة لمواجهة الأيديولوجية الشيوعية الملحدة.
  • إنشاء منظمات: دعم تأسيس جماعات وتنظيمات سياسية إسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، التي كانت تتمتع بعلاقات غير معلنة مع بريطانيا في بداياتها.

ب. تأسيس دولة الخميني ودور الغرب:

يُعتبر تأسيس دولة الخميني في إيران عام 1979 مثالًا على تعقيد التحالفات السياسية. رغم العداء العلني بين إيران الإسلامية والغرب، هناك مؤشرات على رضا غربي ضمني بظهور نظام إسلامي مناهض للشيوعية، خاصة مع سقوط الشاه الذي كان يعاني من صعوبة في كبح نفوذ اليسار الإيراني. ورغم التوترات اللاحقة، لم يكن التحول في إيران صراعًا دينيًا خالصًا بقدر ما كان إعادة ترتيب لموازين النفوذ في المنطقة.

  1. الصراع على النفوذ والموارد

أ. أهداف القوى الكبرى:

  • النفوذ الجغرافي: كان الشرق الأوسط موقعًا استراتيجيًا للتحكم في طرق التجارة العالمية والطرق البحرية.
  • السيطرة على الموارد: النفط كان محركًا أساسيًا للصراعات، حيث سعت كل قوة عظمى للسيطرة على حقول النفط أو تحجيم سيطرة الطرف الآخر.
  • التضليل الإعلامي: كلا الطرفين رفع شعارات كبرى مثل “السلام” و”الحرية”، لكن على أرض الواقع كانت هذه الشعارات تُستخدم كأدوات دعائية لخدمة مصالح أكبر.

ب. صراع الأيديولوجيات أم صراع المصالح؟

يمكن القول إن المواجهة بين التيار الشيوعي المدعوم من السوفييت، والتيار الإسلامي المدعوم من الغرب لم تكن صراعًا ثقافيًا بحتًا، بل كانت صراعًا على النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية. لم يكن الهدف الحقيقي هو نشر ثقافة أو أيديولوجيا بقدر ما كان حماية المصالح الاقتصادية والهيمنة الجيوسياسية.

    خاتمة

     شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات جذرية بسبب التدخلات الخارجية وتأسيس حركات سياسية متناقضة، كان الهدف منها استخدام الشعوب كأدوات لخدمة مصالح القوى الكبرى. وظلت المنطقة ضحية لهذه الصراعات، بينما كانت الشعارات المرفوعة، مثل الحرية والعدالة، مجرد غطاء لأهداف أعمق تتعلق بالنفوذ والثروات.

 وطبيعي أن يخرج بعض الأحزاب  الإسلامية أو التنظيمات عن سيطرة الغرب ويصيرون عائقًا مما يضطر الغرب لمحاربتهم سواء بتسليط الحكام عليهم أو بالتدخل المباشر عسكرياً.