هل ضمير “هم” يأتي لغير العاقل

الضمير “هم” في اللسان العربي يُستخدم للإشارة إلى جمع المذكر العاقل، وهو ما يظهر جليًا في القرآن الكريم، حيث يلتزم النص القرآني بدقة لسانية تجعل استخدام الضمائر مُنسجمًا مع سياق الخطاب. في هذا المقال، ندرس الضمير “هم” وتحليله في سياق القرآن الكريم، مع التركيز على حالاته الأصلية ومبدأ التغليب عندما يرد مع غير العاقل.

أولًا: الأصل في استخدام ضمير “هم”

  • تعريف الضمير “هم”:
    • ضمير مخصص لجمع المذكر العاقل، ويُستخدم بشكل حصري في النصوص القرآنية للإشارة إلى العقلاء في الحالات الأصلية.
  • أمثلة من القرآن على الأصل في استخدامه:
  1. سورة الرعد: 30
    “وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَٰنِ”

    • الضمير “هم” يعود على الكفار، وهم عاقلون.
  2. سورة آل عمران: 199
    “وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ”

    • الضمير “هم” يشير إلى المؤمنين من أهل الكتاب، وهم عقلاء.

ثانيًا: التغليب عند اجتماع العاقل وغير العاقل

  • قاعدة التغليب:
    • إذا اجتمع العاقل وغير العاقل في سياق واحد، يُغلَّب العاقل في الإسناد، ويُستخدم ضمير “هم” للإشارة إلى المجموع.
  • أمثلة قرآنية:
  1. سورة الإسراء: 44
    “تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ”

    • الضمير “هم” في “تسبيحهم” يعود على كل المخلوقات التي تُسبح.
    • السبب: ورود “مَن فِيهِنَّ” (وهي للعاقل) يُغلب استخدام ضمير العاقل على المجموع.

ثالثًا: حالات الالتباس حول “هم”

  1. سورة الأنعام: 38
    “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ”

    • الضمير “هم” في “ربهم” يعود في ظاهره إلى الدواب والطير.
    • لكن السياق العام للآيات السابقة يتحدث عن الناس وأفعالهم، مما يجعل الضمير يتبعهم أيضًا.
  2. سياق النصوص السابقة:
    • الآيات في سورة الأنعام التي تسبق هذه الآية، مثل:
      “وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ”(الأنعام: 100)، تشير بوضوح إلى الكفار وأفعالهم.
    • الضمير في “ربهم” يتبع هذا السياق.
      • تدبر بعض النصوص التي ظن بعض الباحثين أن ضمير “هم” يرجع فيها لغير العاقل

    أولًا: نص رؤيا النبي يوسف – ضمير “هم” للعاقل

قال تعالى:
“إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ” (يوسف: 4).

التحليل:

الضمير “هم” في “رأيتهم”:

يشير ظاهراً إلى الكواكب والشمس والقمر على الرغم من أن الكواكب والشمس والقمر جمادات وغير عاقلة، بينما في الواقع الرؤيا رمزت لوالدَي النبي يوسف عليه السلام وإخوته العقلاء.

الضمير “هم” استخدم هنا تبعًا لدلالتهم على أشخاص عقلاء في الرؤيا.

   ثانيًا: نصوص تدل على “هم” للعاقل الميت أو الحي

قال تعالى:
“إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ”
“إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ. وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ”(الأعراف: 194-198).

التحليل:
  1. الضمير “هم” في “تدعوهم”
    • الضمير يعود على من وصفهم الله بأنهم “الذين تدعون من دون الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ”
    • يشمل هؤلاء:
      • الكائنات العاقلة التي ماتت: وصنع لها أصناماً ترمز إليهم و التي تمثل بشرًا عقلاء كانوا يُعبدون.
      • الكائنات الحية العقلاء الضعفاء: مثل الكائنات التي هي حادثة ومحتاجة، مثل البشر الذين أُلّهوا.

سبب استخدام “هم” للعاقل:

الضمير “هم” استخدم للعاقل لأن المشركين اعتقدوا أن هذه الكائنات يمكنها الفعل والإدراك والنفع والضر ويملكون قدرات بذاتهم رغم أنهم عباد أمثالهم.

الآيات تفضح زيف اعتقادهم بأن هذه الكائنات العاقلة الميتة أو الحية حاليًا ليس لها قوة أو قدرة إلهية.

    الخلاصة:

  1. الأصل في ضمير “هم”:
    • يُستخدم حصريًا للإشارة إلى العقلاء.
  2. التغليب:
    • عند اجتماع العاقل وغير العاقل، يُغلب العاقل ويُستخدم ضمير “هم”.
  3. الضوابط:
    • لا يُستخدم “هم” لغير العاقل منفردًا دون وجود عاقل في السياق.
  4. أمثلة قرآنية:
    • “وَهُمْ يَكْفُرُونَ” (الرعد: 30): ضمير للعاقل.
    • “تَسْبِيحَهُمْ” (الإسراء: 44): تغليب العاقل.

    خاتمة:

  يُظهر القرآن الكريم دقة لسانية فائقة في استخدام الضمائر، حيث يلتزم باستخدام الضمير “هم” للعاقل في الأصل، ويستعمله في حالات التغليب للإشارة إلى المجموع عند وجود العاقل وغير العاقل. فهم هذه القواعد يُبرز روعة التعبير القرآني ودقته.