تدبر “فكان قاب قوسين أو أدنى”

    الآية “فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى” (سورة النجم: 9) تُبرز دقة التعبير القرآني في تصوير مفهوم القرب، وتستند في دلالتها إلى الفهم العميق للجذر اللغوي “قوس”. سنحلل هذا الجذر ونفهمه من خلال ما أورده ابن فارس في “مقاييس اللغة” ومن خلال دلالات الحروف.

تحليل الجذر “ق- و- س” لسانياً

  1. ق: يرمز إلى حركة متوقفة أو منتهية بقوة. يشير إلى وجود حد أو نهاية واضحة.
  2. و: يمثل حركة امتداد مترابطة مكانيًا. هذا الامتداد يعبر عن استمرارية أو اتصال، كما لو كان يُمدد في الفضاء.
  3. س: يدل على حركة حرة وانسيابية، مما يعكس مرونة في الحركة وعدم تقييد.

تحليل ابن فارس للجذر

ابن فارس في “مقاييس اللغة” يشير إلى أن كلمة “قوس” تدل على “تقدير شيء بشيء”. الفكرة هنا هي القياس الدقيق، حيث القوس يُستخدم لتقدير المسافة أو الزاوية بدقة، مما يجعلها مرتبطة بفكرة الضبط.

تدبر الآية: لماذا “قوسين” مثنى؟

الآية تصور قربًا شديدًا من قبل جبريل للنبي، واستخدام “قوسين” في صيغة المثنى يحمل دلالات خاصة:

  1. المثنى كمفهوم للدقة والضبط: صيغة المثنى في “قوسين” تشير إلى اكتمال ودقة القياس. كأن النص يصف حالة قريبة جدًا لا تترك مجالًا للشك أو الالتباس في التقدير، مما يعبر عن اتصال أو تقارب منظم ومضبوط بعناية.
  2. القياس المكاني المتوازن: القوس الواحد يمثل أداة قياس، لكن وجود “قوسين” يوحي بمفهوم التقدير المزدوج، مما يبرز حالة متقنة من القرب. المثنى يعكس فكرة أن هذا القرب ليس أحادي الجانب، بل متوازن ودقيق، مما يجعل المعنى واضحًا في الإشارة إلى التناسق في المسافة.

    الخلاصة

    الآية “فكان قاب قوسين أو أدنى” تُعبر عن قرب شديد ومحدد بدقة، مستخدمة صيغة المثنى للتأكيد على التقدير المتكامل والمنضبط، بعيدًا عن أي مبالغات أو رموز إضافية غير موجودة في النص.