هل القرءان معجزة أم آية وبينة وبرهان

   غالبًا ما يرتبط مفهوم المعجزة بالقرآن عند تناول النصوص الإسلامية، حيث يُوصف بأنه “معجزة خالدة”. ومع ذلك، فإن مصطلح “المعجزة” لم يُذكر مطلقًا في القرآن لوصف ذاته. عوضًا عن ذلك، يقدم القرآن نفسه ككتاب هداية ونور للدراسة والتدبر، وليس كوسيلة لإظهار “الإعجاز” الذي يُفهم كوسيلة للتحدي فوق الطبيعي. هذه المقالة تهدف إلى إعادة النظر في مفهوم المعجزة ودورها، وتحليل فكرة التحدي في سياقها القرآني، والتمييز بين إقامة الحجة على المنكرين والإيمان الواعي الذي يستند إلى العلم والدراسة.

   غياب مفهوم المعجزة في القرآن

من المثير للاهتمام أن كلمة “معجزة” لا تظهر في القرآن كوصف له، ولا حتى في سياق الدعوة أو إقامة الحجة. بل إن الهدف الأساسي الذي يؤكده القرآن هو الهداية والتنوير. يقول الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174

{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }الأعراف203

{… كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24

فكتاب الله يهدف إلى البيان المباشر والإرشاد، والهدى والتنوير، مما يدل على أن القرآن كتاب يعزز الفهم والمنطق وليس استعراضًا للمعجزات الخارقة التي تتجاوز قدرات البشر.

   التحدي في القرآن: إلزام المنكرين

     يشير القرآن إلى مفهوم التحدي في آيات مثل قوله تعالى:
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: 23).
هذا التحدي لا يُطرح للمؤمنين بالقرآن عن علم ووعي، بل يوجَّه لأولئك الذين يدّعون أن القرآن ليس من عند الله، وإنما هو “قول بشر”. فهو إذن وسيلة لإقامة الحجة عليهم، وليس لإظهار “إعجاز” يفوق قدراتهم. التحدي هنا هو مطالبة المنكرين ببيان قدرة البشر على إنتاج نص مثيل له بلسان عربي مبين يحتوي مفاهيم ومعلومات تواكب التطور وتصلح للمجتمعات، مما يُلزمهم الاعتراف بعدم قدرتهم على مجاراته.

المؤمنون بالقرآن، في المقابل، لا يشملهم هذا التحدي؛ لأنهم قد اتخذوا قرار الإيمان بعد التدبر والتفكر في الدلائل والبراهين التي يقدمها النص القرآني. فهم لا يُطلب منهم إثبات إيمانهم عبر معجزة، وإنما عبر فهمهم العميق للكتاب كمنظومة معرفية وشريعة هادية.

       المقارنة: التحدي العلمي في النظرية النسبية

    يمكن فهم هذا التحدي بشكل مشابه للتحديات العلمية في النظريات الحديثة، مثل النظرية النسبية لأينشتاين. عندما تُعرض النظرية النسبية على مختصين في الفيزياء، فإنهم يُقيّمونها بناءً على المعطيات والبراهين التي تدعمها. من يفهم هذه البراهين يدرك صواب النظرية ويتبناها كنظرية علمية. أما من يجهل أسسها العلمية، فقد يرفضها أو يُسفّهها، وهنا يأتي التحدي له: إذا كنت ترفض النظرية، فعليك تقديم نموذج بديل يفسر نفس الظواهر بنفس الدقة.

بنفس المنطق، يواجه القرآن المنكرين: إذا كنتم ترفضون القرآن وتدعون أنه قول بشر، فعليكم أن تقدموا نصًا مثيلا له في العمق والتأثير والمنطق. هذا التحدي ليس لإثبات الإعجاز بقدر ما هو لإقامة الحجة عليهم وتفنيد دعاواهم.

        القرآن ككتاب هداية ودراسة

    القرآن يقدم ذاته كمرجعية للهدى والنور، كما في قوله تعالى:
﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ (المائدة: 15).
وهو يدعو للتدبر والفهم، كما في قوله:
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ (محمد: 24).
هذه الدعوة للتفكر تظهر أن الغاية من القرآن ليست في الإعجاز الظاهري، بل في تقديم منظومة معرفية تساعد الإنسان على فهم الحياة والوجود وتحقيق العدل والحق.

     خاتمة

      إن وصف القرآن بـ”المعجزة” كوسيلة للتحدي قد يكون انحرافًا عن الغاية الحقيقية للكتاب. فهو لم يُنزل ليُدهش الناس بمعجزات فوق الطبيعية، بل ليهديهم بمنطق واضح وأدلة قاطعة. التحدي الذي يطرحه القرآن على المنكرين هو جزء من إقامة الحجة عليهم، وليس تحديًا للإبهار أو العجز. تمامًا كما في العلوم الحديثة، لا يكفي رفض الحقائق؛ بل يجب تقديم بدائل توازيها أو تتفوق عليها. أما المؤمنون بالقرآن، فقد آمنوا بناءً على علم وفهم، وهم خارج دائرة هذا التحدي.