هل مقولة تلقت الأمة كتاب البخاري بالقبول صواب
يُعد الإمام محمد بن إسماعيل البخاري (194-256 هـ) أحد أبرز علماء الحديث في التاريخ الإسلامي، وصحيحه يُعد عند أهل السنة ( لأن الشيعة لا يقبلون به وهم جزء من الأمة) من أصح الكتب بعد القرآن الكريم. ومع ذلك، لم يسلم صحيح البخاري من النقد من قبل علماء السنة ذاتهم!، فقد تعرّض منهجه في قبول الأحاديث للنقد من قبل عدد من العلماء عبر التاريخ. يُقدم هذا المقال أضواء على أصول قبول الحديث عند البخاري، مع استعراض آراء العلماء الذين انتقدوه من القدامى والمعاصرين وكتبهم أو مصادر أقوالهم.
أصول قبول الحديث عند البخاري
اعتمد البخاري على شروط في قبول الأحاديث، لقبول الرواية، منها:
- العدالة والضبط في الراوي: يجب أن يكون الراوي مسلمًا بالغًا عاقلًا ثقةً ضابطًا.
- الاتصال في السند: يجب أن يكون السند متصلًا دون انقطاع.
- عدم الشذوذ: يجب أن لا يكون الحديث شاذًا، أي مخالفًا لروايات الثقات.
- عدم العلة: يجب أن يكون الحديث خاليًا من العلل القادحة.
نقد أصول البخاري من قبل علماء قدامى
تعرض منهج البخاري في قبول الأحاديث للنقد من قبل عدد من العلماء الذين أبدوا تحفظات حول صحة بعض الأحاديث الواردة في صحيحه. وفيما يلي أبرز هؤلاء العلماء وأعمالهم:
- الإمام مسلم بن الحجاج (204-261 هـ)
رغم العلاقة الوثيقة التي كانت تجمعه بالبخاري، إلا أن مسلم قد وجه انتقادات لمنهج البخاري في قبول الأحاديث. في مقدمة “صحيح مسلم”، أشار الإمام مسلم إلى بعض القضايا المتعلقة بالشروط التي وضعها البخاري لقبول الأحاديث، والتي قد تختلف عن منهجه:
- مسألة اللقاء بين الرواة:
- نقد مسلم: انتقد الإمام مسلم منهج البخاري في قبول الرواية اشتراط حصول لقاء بين الراويين ولو مرة واحدة ، وقال: يكفي المعاصرة في الزمن بين الراويين دون التصريح بمقابلتهما، مع تحقق شروط الراوي العدالة و الضبط لقبول حديثه.
- رفض عكرمة مولى ابن عباس:
- نقد مسلم: أبدى مسلم تحفظاته على روايات عكرمة مولى ابن عباس، الذي تعرّض للنقد من قبل عدد من العلماء بسبب آرائه ومواقفه، مما جعل مسلم يتحفظ في قبول رواياته.
- الدارقطني (ت. 385 هـ)
- الكتاب: “التتبع”
- مضمون النقد: قام الدارقطني بتتبع الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم وبيّن العلل في بعض الأحاديث. أشار إلى بعض الأحاديث التي رأى أن فيها ضعفًا أو تناقضًا في السند أو المتن.
- ابن حجر العسقلاني (ت. 852 هـ)
- الكتاب: “هدي الساري مقدمة فتح الباري”
- مضمون النقد: قدّم ابن حجر تعقبات على بعض الأحاديث في صحيح البخاري، موضحًا بعض العلل التي خفيت على البخاري، وكذلك بعض الأخطاء في السند أو المتن.
- الإمام النووي (ت. 676 هـ)
- الكتاب: “شرح صحيح مسلم”
- مضمون النقد: أشار النووي في شرحه لصحيح مسلم إلى بعض الأحاديث التي أوردها البخاري والتي رأى أنها تحتاج إلى مزيد من التدقيق والتحقيق.
- أبو حاتم الرازي (ت. 277 هـ)
- الكتاب: “الجرح والتعديل”
- مضمون النقد: قام أبو حاتم بتقديم نقد لبعض رواة الأحاديث الذين اعتمد عليهم البخاري، مما يؤثر على قبول بعض الأحاديث في صحيحه.
نقد أصول البخاري من قبل علماء معاصرين
تعرض منهج البخاري في قبول الأحاديث للنقد من قبل عدد من العلماء المعاصرين الذين أبدوا تحفظات حول صحة بعض الأحاديث الواردة في صحيحه. وفيما يلي أبرز هؤلاء العلماء وأعمالهم:
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (1914-1999)
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو أحد أبرز علماء الحديث في العصر الحديث. له العديد من الكتب والأبحاث في علم الحديث. وقد تعرّض لبعض الأحاديث في صحيح البخاري بالنقد.
- المصدر: “سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة”
- مضمون النقد: قام الألباني بتقديم تعقبات على بعض الأحاديث في صحيح البخاري، موضحًا بعض العلل أو الأخطاء في السند أو المتن التي خفيت على البخاري.
الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (1883-1966)
الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني هو من كبار علماء الحديث في العصر الحديث. له عدد من الكتب والمقالات التي تناولت نقد الحديث.
- المصدر: “التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل”
- مضمون النقد: قدم المعلمي نقدًا لبعض الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري، مشيرًا إلى بعض العلل في الأسانيد والمتون، وأوضح أن البخاري ربما وقع في بعض الأخطاء بسبب اعتماده على معايير معينة لقبول الروايات.
الدكتور مصطفى السباعي (1915-1964)
الدكتور مصطفى السباعي هو أحد علماء الحديث والفكر الإسلامي في العصر الحديث. كتب في العديد من المواضيع المتعلقة بالحديث النبوي.
- المصدر: “السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي”
- مضمون النقد: أشار السباعي إلى بعض القضايا المتعلقة بمنهج البخاري في قبول الأحاديث، مؤكدًا على ضرورة مراجعة الأحاديث وتدقيقها، وخاصة تلك التي تعتمد على رواة ربما تعرضوا للنقد من قبل علماء آخرين.
مولانا حبيب الرحمن الأعظمي (1901-1992)
- الكتاب: “درء القالة في الرد على أسمى المطالب في سيرة الإمام أبي حنيفة وصاحبيه”
- مضمون النقد: أشار الأعظمي إلى بعض الأحاديث في صحيح البخاري التي يرى أنها تحتاج إلى إعادة النظر والتحقيق. انتقد بعض المرويات التي اعتبرها غير متوافقة مع منهجية التحقق الصارمة.
الشيخ شبلي النعماني (1857-1914)
- الكتاب: “سيرة النبي”
- مضمون النقد: انتقد النعماني بعض الأحاديث في صحيح البخاري، مؤكداً على أهمية مراجعة السند والمتن والتأكد من صحة الأحاديث وفق معايير دقيقة.
عبد الحي الحسني (1869-1923)
- الكتاب: “نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر”
- مضمون النقد: انتقد الحسني بعض الأحاديث التي يرى أنها غير متوافقة مع العقل والمنطق، ودعا إلى تدقيق أكبر في الروايات المنسوبة للنبي.
نقد الشيخ محمود أبو رية للبخاري
محمود أبو رية (1889-1970)
- الكتاب: “أضواء على السنة المحمدية”
- مضمون النقد: انتقد أبو رية صحيح البخاري بشكل عام، مبرزاً بعض الأحاديث التي يرى أنها تتعارض مع القرآن الكريم أو المنطق العقلي. أشار إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الروايات وإعادة تقييمها بناءً على معايير جديدة للتحقيق. دعا إلى الاعتماد على القرآن كمصدر أولي والتأكد من صحة الأحاديث بطريقة أكثر تدقيقاً.
استنتاج
رغم أن صحيح البخاري يُعد من أصح الكتب بعد القرآن الكريم عند أهل السنة فقط، إلا أنه لم يسلم من النقد من قبل بعض علمائهم. وقد أثار عدد من العلماء، سواء كانوا قدامى أو معاصرين، قضايا تتعلق بمنهج البخاري في قبول الأحاديث، مشيرين إلى بعض العلل أو الأخطاء التي خفيت عليه.
علاوة على أن الشيعة والإباضية وغيرهم لا يتعاملون مع البخاري بهذه الهالة من القداسة والتعظيم ويعدونه كتاباً تراثياً في الحديث مثل غيره وربما لا يقبلون به أصلاً لأن لكل فئة مرجعياتها وكتبها.
فكيف يقول أهل السنة إن كتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله وتلقته الأمة بالقبول،؟! وما عرضناه يدل على أن هذه المقولة باطلة وكذب جملة وتفصيلاً.
يُظهر هذا النقد أهمية التحقق المستمر من صحة الأحاديث والعمل على تحسين منهجية القبول والتنقية للأحاديث النبوية، ويقوم ذلك على منهج منطقي و قرءاني وعلى ضوئه فهو الأصل والمصدر الرباني.
اضف تعليقا