تحليل سياسي حول الأحداث في سوريا

ومستقبل هيئة تحرير الشام

    الوضع في سوريا بات أكثر تعقيدًا مع استمرار التغيرات على الأرض وسقوط النظام السوري كفاعل مركزي بسبب انهيار مؤسساته وهروب قياداته. في هذا السياق، ظهرت هيئة تحرير الشام كلاعب محوري في الشمال السوري، وسط ادعاءات بأنها تغيرت من جماعة ذات طابع ديني متشدد إلى كيان يسعى لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية. ولكن مع ذلك، يبقى السؤال: هل يمكن تصديق هذا التغير؟ وكيف سيتعامل المجتمع الدولي والإقليمي مع هذه التحولات؟

   محاور التحليل

  1. سقوط النظام السوري وتبعاته:
    • انهيار النظام السوري وهروب قياداته، بما في ذلك بشار الأسد، يخلق فراغًا سياسيًا كبيرًا. هذا الفراغ يمنح الفصائل الفاعلة في الميدان، مثل هيئة تحرير الشام، فرصة لبسط نفوذها وإعادة تشكيل المشهد السياسي في المناطق التي تسيطر عليها.
    • مع غياب القيادة المركزية للنظام، تبدو سوريا مقسمة فعليًا إلى مناطق نفوذ تدار بواسطة قوى محلية وإقليمية.
  2. تغير توجهات هيئة تحرير الشام:
    • التحول الأيديولوجي والسياسي: هيئة تحرير الشام قدمت نفسها في السنوات الأخيرة ككيان أكثر اعتدالًا، مع تصريحات تدعو إلى دولة مدنية ديمقراطية. هذا التحول ليس مستحيلًا في السياسة، حيث أن المصالح والضغوط تلعب دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل الاستراتيجيات.
    • التواصل مع الفاعلين الدوليين: الهيئة تسعى بوضوح إلى إزالة صفتها الإرهابية وكسب شرعية داخلية وخارجية. تصريحاتها العلنية تشير إلى رغبة في الانخراط في نظام سياسي يتسم بالتعددية.
  3. الظروف السياسية والاجتماعية في سوريا:
    • الشعب السوري، بمكوناته المختلفة، يرفض العودة إلى أي نموذج سياسي إقصائي، سواء كان دينيًا أو استبداديًا. هذا الرفض الشعبي يشكل ضغطًا على هيئة تحرير الشام لاتباع نهج أكثر توافقًا مع تطلعات الشعب.
    • الظروف الدولية والإقليمية تجعل من الصعب على الهيئة فرض نموذج ديني سلفي للحكم، حيث أن هذه المحاولات ستواجه رفضًا داخليًا وخارجيًا.
  4. المواقف الإقليمية والدولية:
    • تركيا:
      • تركيا تعتبر اللاعب الأكثر تأثيرًا في الشمال السوري، وهي لن تسمح بقيام نموذج سياسي قد يزعزع استقرار حدودها. دعم تركيا قد يعتمد على التزام الهيئة بتعهداتها بشأن إقامة حكم مدني.
    • الدول العربية:
      • الدول العربية، رغم معارضتها لنظام الأسد، لن تدعم أي كيان يحمل سمات أيديولوجية دينية متشددة. بالمقابل، قد تنفتح على التعاون مع هيئة تحرير الشام إذا أثبتت الأخيرة جديتها في التحول إلى كيان مدني.
    • الدول العظمى:
      • الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا يزالان متشككين في نوايا الهيئة، لكنهما قد يغيران موقفهما إذا قدمت ضمانات حقيقية على احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان.
      • روسيا قد تستمر في دعم مشاريع إعادة النظام السوري أو حلفائه في مناطق أخرى، لكنها قد تجد نفسها مضطرة للتعامل مع الواقع الجديد في حال أثبتت هيئة تحرير الشام قدرتها على إدارة الشمال بشكل مستقر.
  1. السيناريوهات المحتملة:
    • إقامة إدارة مدنية توافقية:
      • الهيئة قد تعمل على إقامة إدارة تضم مختلف الأطياف السورية في مناطق نفوذها. هذا السيناريو يعتمد على قدرتها على تقديم تنازلات وضمان مشاركة فعلية لجميع المكونات.
    • مقاومة دولية وإقليمية لأي توجه ديني:
      • إذا حاولت الهيئة العودة إلى نموذج حكم ديني، ستواجه ضغوطًا من تركيا والدول العظمى، مما يجعل هذا الخيار غير مستدام.
    • التحول الكامل إلى كيان سياسي شرعي:
      • في حال استمرت الهيئة في تقديم تنازلات واتباع سياسات مدنية، يمكنها الحصول على اعتراف مشروط من الدول الإقليمية والدولية.

      الخاتمة

   المشهد السوري الحالي يشير إلى فرصة لهيئة تحرير الشام للتحول إلى كيان سياسي شرعي إذا استمرت في الابتعاد عن النموذج الديني المتشدد وأثبتت التزامها بخطاب الدولة المدنية الديمقراطية. مع سقوط النظام السوري، فإن أي مشروع سياسي جديد سيكون رهينة للتوافق بين القوى المحلية والدولية. الهيئة قد تكون أمام فرصة تاريخية للاندماج في نظام سياسي جديد، لكنها ستحتاج إلى تقديم خطوات ملموسة لكسب ثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي.