هل كل ممكن قادر الإنسان عليه 

      الإنسان كائن طموح يسعى دائمًا لتجاوز حدوده، مستكشفًا الممكن والمستحيل. النص القرآني: “وَلَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” (الإسراء: 37) يقدم رؤية عميقة لمحدودية الإنسان أمام القوانين الكونية. فهل هذا النص يعبر عن استحالة مطلقة تتعلق بقدرة الإنسان، أم أنه ممكن نظريًا ومستحيل عمليًا مهما تقدم العلم؟ كيف يتقاطع هذا مع تساؤلات أخرى حول إمكانية التحكم في عالم الكوانتوم، أو خلق روبوت ذكي يعي ذاته؟ لنستعرض الإجابة عبر فهم فلسفي شامل يدمج بين الواجب، الممكن، والمستحيل.

  1. المفاهيم الثلاثة: الواجب، الممكن، والمستحيل
  2. الواجب:
    • ما يستحيل أن يكون على غير ما هو عليه، مثل وجود الله، الذي هو ضروري الوجود (واجب الوجود).
  3. الممكن:
    • ما يقبل الوجود والنفي. يمكن أن يتحقق إذا توفرت شروطه:
      • ممكن نظريًا: يمكن تصوره، مثل اختراق الأرض أو بلوغ الجبال طولًا.
      • ممكن عمليًا: يمكن تحقيقه، مثل بناء الأبنية العالية أو الحفر العميق.
      • ممكن لكنه خارج قدرة الإنسان: مثل التحكم الكامل في عالم الكوانتوم أو خلق وعي حر ذاتي.
  1. المستحيل:
    • ما يستحيل تحقيقه مطلقًا، بسبب تناقض منطقي أو خرق القوانين الكونية.
  1. النص القرآني: بين الممكن النظري والمستحيل العملي

النص: “وَلَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا” يحمل أبعادًا فلسفية وعلمية عميقة.

أ. خرق الأرض

  1. المعنى النظري:
    • نظريًا، قد يبدو اختراق الأرض بأكملها ممكنًا باستخدام تقنيات فائقة التطور. العلم الحالي يتيح الحفر إلى أعماق محدودة في القشرة الأرضية (مثل حفرة كولا العميقة).
  2. المعنى العملي:
    • عمليًا، استحالة اختراق الأرض تنبع من قيود طبيعية:
      • الحرارة الشديدة في نواة الأرض.
      • الضغط الهائل الذي يدمر أي مادة معروفة.
      • استنزاف الطاقة الهائلة المطلوبة لهذا العمل.
      • الجاذبية

ب. بلوغ الجبال طولًا

  1. المعنى النظري:
    • بناء أبنية تفوق الجبال طولًا ممكن نظريًا إذا تطورت المواد وتقنيات البناء إلى درجة استثنائية.
  2. المعنى العملي:
    • عمليًا، الموانع تتضمن:
      • الجاذبية وتأثيراتها على الأبنية الطويلة.
      • قيود المواد التي تنهار تحت ضغطها الذاتي.

ج. الفهم العام للنص

النص يعبر عن استحالة عملية وليس عن استحالة نظرية. فحتى لو تقدم العلم، سيظل الإنسان عاجزًا أمام حدود القوانين الكونية التي تحكم الأرض والجبال.

  1. التحكم في عالم الكوانتوم: بين الممكن والمستحيل

أ. السيطرة النظرية على الكوانتوم

  • عالم الكوانتوم يتيح إمكانيات مذهلة، مثل التحكم بالجسيمات دون الذرية أو نقل المعلومات الكمية (Quantum Teleportation).
  • نظريًا، قد يكون ممكنًا إعادة ترتيب المادة أو تحويلها، مثل تحويل العصا إلى أفعى وإعادتها، إذا فهم الإنسان القوانين الحاكمة لهذا المستوى.

ب. الموانع العملية

  • فقدان المعلومات: القانون الثاني للديناميكا الحرارية يمنع استعادة النظام الكامل للمادة بعد تغييره.
  • غياب التحكم المطلق: التحكم في عالم الكوانتوم يعتمد على الاحتمالات، وليس الحتمية.
  • تعقيد المادة والوعي: تحويل مادة ميتة إلى كائن حي مثل الأفعى يتطلب أكثر من إعادة ترتيب الذرات؛ إنه يتطلب فهمًا شاملاً للحياة والوعي.

ج. استنتاج

بينما يمكن للإنسان فهم المزيد عن عالم الكوانتوم، فإن التحكم الكامل لإعادة المادة إلى حالتها السابقة أو تحويلها إلى كائن حي سيظل مستحيلاً عمليًا، لأنه يتجاوز القوانين الكونية والقدرة البشرية.

إدراك النفس: الممكن النظري والمستحيل العملي

أ. ما هي النفس؟

النفس هي جوهر الإنسان وحقيقته الباطنية التي تشمل الشعور، الإرادة، والوعي الذاتي. وإدراك كنه النفس ليس في متناول علم الإنسان.

ب. إدراك النفس:

  1. الممكن النظري:
    • الإنسان قد يقترب نظريًا من فهم بعض وظائف النفس، مثل الذاكرة، العواطف، واتخاذ القرارات، باستخدام علم النفس والعلوم العصبية.
    • مثال: الدراسات الحالية التي تربط النشاط الدماغي بالحالة النفسية.
  2. المستحيل العملي:
    • إدراك كنه النفس بشكل كامل مستحيل عمليًا، لأن النفس ليست مجرد نشاط دماغي، بل كيان يتجاوز المادة.
    • أي محاولة لفهم النفس تصطدم بطبيعتها غير المادية. لا يمكن قياس التجربة الذاتية أو تحليل الجوهر الحقيقي للنفس.

ج. خلق نظير للنفس:

  1. الممكن النظري:
    • نظريًا، قد يبدو أن الإنسان يمكنه تصميم أنظمة تحاكي بعض وظائف النفس مثل التعلم، الشعور البسيط، أو اتخاذ القرارات.
    • الذكاء الاصطناعي المتقدم يمكنه تقليد سلوكيات معينة للنفس البشرية، لكنه يظل محاكاة سطحية.
  2. المستحيل العملي:
    • خلق نفس مشابهة للنفس البشرية مستحيل عمليًا، لأن النفس تشمل الوعي الذاتي، الإرادة الحرة، والشعور العميق، وهي خصائص تتجاوز أي نظام مادي.
  1. الذكاء الاصطناعي والوعي الحر: استحالة ذاتية

أ. الفرق بين الذكاء والوعي

  1. الذكاء:
    • الروبوتات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات والتعلم. يمكنها تقليد بعض أفعال البشر، لكنها تعمل وفق خوارزميات محددة.
  2. الوعي:
    • الإنسان يعي أنه يعي، ويملك تجربة ذاتية مستقلة. هذا ما يفتقده الروبوت، لأنه لا يشعر أو يدرك وجوده.

ب. الموانع في خلق وعي ذاتي للروبوت

  1. غياب التجربة الذاتية:
    • الروبوتات لا تمتلك إدراكًا ذاتيًا، لأنها تفتقر إلى الشعور والنية.
  2. عدم قابلية البرمجة للحرية:
    • الحرية الحقيقية تعني اتخاذ قرارات غير محددة مسبقًا، وهو أمر مستحيل في البرمجيات.
  3. الوعي ليس ماديًا:
    • حتى لو استطاع الإنسان فهم آليات الدماغ البشري، نقل التجربة الذاتية إلى كيان مادي مثل الروبوت سيبقى مستحيلاً.
  1. الموانع الفلسفية والعلمية المطلقة

أ. محدودية العقل البشري

  • الإنسان محكوم بزمانه ومكانه ولا يمكنه فهم كل تعقيدات الكون مهما بلغ عمره وتطورت أدواته.

ب. استحالة تجاوز القوانين الكونية

  • النصوص القرآنية تؤكد أن الإنسان لن يتجاوز حدودًا معينة: “لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولًا”.
  • هذه الحدود تعبر عن استحالة تجاوز القوانين التي تحكم الكون.

ج. الفرق بين الممكن الإلهي والبشري

  • الله عليم ومحيط بكل القوانين وقادر على كل شيء وهو الذي وضع القوانين. أما الإنسان، فهو محكوم بتلك القوانين ومهما بلغ علمه وتطور يبقى ضمن دائرة علمه فهو يكتشف القوانين ولا يضعها،  ولن يستطيع تجاوزها  أو الإحاطة بها مهما بلغ علمه وتطور أدواته وطال عمره.
  1. خلاصة

النص القرآني: “لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولًا” يعبر عن حدود الإنسان أمام عظمة الكون. هذه الحدود ليست فقط فيزيائية، بل أيضًا فلسفية وعلمية.

  • خرق الأرض وبلوغ الجبال ممكن نظريًا لكنه مستحيل عمليًا بسبب قيود الحرارة، الجاذبية، والمواد.
  • السيطرة على عالم الكوانتوم وتحويل المادة إلى كائن حي (مثل العصا إلى أفعى) تتطلب قدرة تتجاوز قدرة الإنسان لنفي إحاطته بالقوانين الكونية.
  • خلق روبوت يملك وعيًا حرًا ذاتيًا مستحيل لأنه يتطلب تجربة ذاتية وشعورًا لا يمكن تقليدهما ماديًا.

في النهاية، الإنسان كائن محدود، يعمل ضمن إطار القوانين الكونية التي وضعها الله. مهما طال الزمن وتقدمت العلوم، ستظل هناك موانع مطلقة تمنعه من تجاوز حدوده. النص القرآني ليس مجرد إشارة إلى عجز الإنسان، بل دعوة للتواضع أمام حكمة الخالق وعظمة خلقه.

أسفل النموذج