الاختلاف في رسم كلمات القرآن

           يتميز النص القرآني بتفرّده من حيث النطق والرسم، فقد انتقل إلينا عبر التلاوة الشفوية الدقيقة، وتم تدوينه برسم خاص يُعرف بالرسم العثماني. من بين الظواهر التي تُثير اهتمام الباحثين هو اختلاف رسم بعض الكلمات مثل “الصلاة” المكتوبة بـ”الصلوة”، وكلمة “رحمة” المكتوبة بـ”رحمت”، وكلمة “رأى” المكتوبة أحيانًا بألف ممدودة “رءا”. لفهم هذه الظاهرة، سنتناول الأسباب التاريخية المرتبطة بتطور الكتابة العربية ودور الرسم العثماني في تثبيت النص القرآني.

النقل الصوتي كأساس للقرآن

قبل الخوض في التفاصيل المتعلقة بالرسم، من الضروري التأكيد على نقطة أساسية: الأصل في نقل القرآن هو التلاوة الصوتية، وليس الخط، والدراسة ينبغي أن تكون بداية في إثبات أن الخط أو الرسم لكلمات القرءان وحي  ومن ثم الدخول لدراسة الفروقات بين الكلمات في الرسم وليس دراسة الفروقات والبناء عليها أنها وحي فهذه مغالطة منطقية .

  1. التلاوة القرآنية المسموعة:
  • القرآن الكريم نُقل إلينا عن طريق الحفظ والسماع من النبي محمد ﷺ، حيث تلقاه الصحابة عن طريق التلاوة الشفوية.
  • التلاوة المسموعة كانت وما تزال الوسيلة الرئيسية لنقل النص، وهو ما يُعرف بـ”بالتتابع الشفوي”، الذي يحفظ النطق الصحيح للكلمات.
  • التلاوة الصوتية هي الحاكمة على النص المكتوب.
  1. دور الرسم في التدوين:
  • عند جمع المصحف، كان الهدف من الكتابة هو توثيق النص مع الحفاظ على النطق الشفوي المتتابع.
  • الرسم العثماني لم يكن يعكس النطق بشكل كامل، وإنما كان أداة لضمان عدم التباس النص المكتوب مع الحفاظ على التراث الكتابي السائد.

الرسم العثماني وتطوره التاريخي

الرسم العثماني يعكس مرحلة انتقالية في تاريخ الكتابة العربية، تأثرت بالخطوط القديمة مثل الخط المسندي والنبطي، اللذين شكّلا الأساس للخط العربي. عند تدوين المصحف في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، تم استخدام الرسم الذي كان مألوفًا في تلك الحقبة، مع مراعاة النطق القرآني الصحيح.

  1. تطور الكتابة العربية
  • الكتابة العربية تطورت من الخط النبطي الذي يعود أصله إلى الخط المسندي اليمني القديم.
  • في المراحل المبكرة للكتابة، لم يكن هناك تنقيط أو تشكيل، وكانت الحروف تُستخدم بشكلها الأساسي دون تمييز بين بعض الحركات أو الأصوات.
  1. الرسم العثماني كمرآة للخط القديم
  • الرسم العثماني اعتمد على التقاليد الكتابية السائدة، لكنه حافظ على نطق الكلمات من خلال التلاوة الشفوية.
  • الكلمات التي تظهر برسم غير مألوف اليوم، مثل “الصلوة” و”ربوا”، ليست انعكاسًا للنطق المختلف، وإنما امتداد للكتابة القديمة.

تفصيل أمثلة على اختلاف الرسم

أ. كلمة “الصلاة” (الصلوة)

  • الرسم: تُكتب “الصلوة” بدلًا من “الصلاة”.
  • النطق: النطق الصحيح الثابت والمتتابع تلاوة: “صَلاة”.
  • الأسباب:
    • الرسم الكتابي احتفظ بصيغة قديمة للخط النبطي، حيث أضيفت الواو كجزء من تقاليد الكتابة القديمة، وليس تعبيرًا عن تغيير في النطق.
    •  ب. كلمة “رحمة” (رحمت)
  • الرسم: تُكتب أحيانًا “رحمت” بالتاء المبسوطة.
  • النطق: النطق الصحيح هو “رَحمة”، والتاء لا تُنطق عند الوقف.
  • الأسباب:
    • في الخطوط القديمة، لم يكن هناك تمييز بين التاء المربوطة والتاء المبسوطة، فكلاهما كان يُكتب بنفس الشكل.
    • الرسم العثماني احتفظ بالتقاليد القديمة التي كانت سائدة في الخط النبطي.

ج. كلمة “رأى” (رءا)

  • الرسم: تُكتب غالباً “رءا” بألف ممدودة.
  • النطق: النطق الثابت هو “رأى”، دون أي مد إضافي.
  • الأسباب:
    • الألف الممدودة كانت تُضاف في الكتابة القديمة للتعبير عن المد الصوتي الطبيعي.
    • هذا الاستخدام يعكس تطور الخط النبطي والعربي المبكر.

أسباب الرسم غير المألوف في المصاحف المبكرة

  1. تثبيت النطق الشفوي:
  • الرسم كان وسيلة لضمان التلاوة الصحيحة للنص، خاصة في غياب التشكيل والتنقيط.
  1. الاحتفاظ بالتقاليد القديمة:
  • المصاحف الأولى اعتمدت على الرسم الشائع في زمن النبي ﷺ والصحابة، الذي تأثر بالخطوط النبطية والمسندية.
  1. 3. التوحيد دون تعديل النطق:
  • عند توحيد المصاحف في عهد عثمان بن عفان، تم اعتماد رسم موحد يضمن نقل القرآن بشكل موثوق، دون تغيير في نطق الكلمات.

الرسم العثماني في سياق تاريخي

الرسم العثماني يحمل في طياته سمات الكتابة العربية القديمة، متأثراً بالنقوش والنصوص التي تعود إلى الخط النبطي والمسندي.

النطق والرسم: علاقة تكاملية

  • النطق الشفوي المتتابع: كان وما يزال المرجع الرئيسي لفهم النص القرآني ودراسته وليس الخط.
  • الرسم الكتابي: أداة مساعدة، تطورت عبر التاريخ، لكنها حافظت على التقاليد القديمة دون المساس بالنطق.
  • ملاحظة اختلاف تعلق دلالة الكلمة في الواقع بين الدلالة المادية والمعنوية يرجع لفهم النص والسياق وليس لطريقة الرسم، والقول أن كلمة “رءأ” تأتي بدلالة مادية عندما تكون بألف ممدودة مثل{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَءا كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ }الأنعام76{فَلَمَّا رَءا الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ }الأنعام77.
  • وبدلالة معنوية عندما تأتي بألف مقصورة “رأى”،{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى }النجم11، ووجود كلمة الفؤاد صرفت دلالة الرؤية من المادية إلى المعنوية، وأتى نص آخر بألف مقصورة: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى }النجم18، وهي تحتمل الدلالتين المادية والمعنوية.

 وهذا كلام غير دقيق لأن كلمة “رءا” بألف ممدودة أتت بدلالة معنوية أيضاً في نص:

{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّءا بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }يوسف 24

فجملة (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) دلالة معنوية وكذلك جملة (رَّءا بُرْهَانَ ربه) معنوية ، وبالتالي سقط ادعائهم.

وربما لاحظ الناسخ في ذلك النص  فكتبها بهذا الشكل مع العلم أن التلاوة لكلا الكلمتين هو واحد، وكذلك كلمة رحمة .

غير أن هذه الاختلافات في الرسم لبعض الكلمات لايصلح أن يكون برهاناً على أن الرسم القرءاني وحي من الله، فنفي العلم عن سبب ذلك لايصح منطقياً أن يكون برهانًا على شيء وخاصة أن الثابت أن القرءان نزل ذكر صوتي على قلب النبي وتلاه على الناس شفهياً:

 {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }مريم97

{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }البقرة97

{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ }الأنعام151

ولم يقم النبي بتوزيع مخطوطات على الناس!!

وقد نفى القرءان ذاته نزوله في قرطاس في نص:

{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأنعام7

ونفى عن النبي قدرته على الخط وتلاوته في نص :

{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48

ها يقين ليس محل اختلاف، أما إثبات فكرة أن الرسم رحماني سابقا في ذهن أحدهم ومحاولة إثباتها من خلال أي نص ولوي عنه أو تحميله ما يحتمل أو ظهريفيد ذلك أو فهم دلالة كلمة الكتاب والتلاوة بشكل خطا … فكل ذلك ليس براهينًا وإنما هو ظن ورغبات شخصية، والظن لا ينفي اليقين،  ، والأصل بقاء ما ثبت على ما هوعليه.

 

الخلاصة

اختلاف رسم بعض الكلمات في المصحف العثماني مثل “الصلوة”، “رحمت”، و”رأى”، ليس انعكاسًا لتغيير في النطق، بل هو نتيجة مباشرة لتطور الكتابة العربية واعتماد الرسم العثماني على التقاليد الخطية القديمة. الأهمية الكبرى في نقل القرآن كانت دائمًا للتلاوة الصوتية، التي ضمنت حفظ النص ونطقه الصحيح عبر الأجيال. والرسم العثماني هو شاهد تاريخي على تطور الكتابة، لكنه لا يُغير من النطق الثابت للنص القرآني.

المراجع

  • جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
  • أحمد أمين، تاريخ الخط العربي.
  • نولدكه، تاريخ القرآن.
  • النقوش النبطية والمسندية القديمة.