حُكمُ مُصافحةِ النساءِ وفقَ المنهجِ القُرآنيِّ
إنَّ البحثَ في حُكمِ مُصافحةِ النساءِ يجبُ أن ينطلِقَ منَ القواعدِ العامةِ التي أسَّسها القُرآنُ الكريمُ باعتبارِهِ المصدرَ الوحيدَ القَطعيَّ في التشريعِ الإسلاميِّ. ويعتمِدُ هذا المنهجُ على مبدأينِ أساسيينِ:
- الأصلُ في الأفعالِ الحَلالُ إلَّا ما وَرَدَ في القُرآنِ تحريمُهُ أو النهيُ عنهُ.
- الرواياتُ ظنيَّةُ الدِّلالةِ والثُّبوتِ، وبالتالي لا تُؤسِّسُ حُكمًا شرعيًّا خارجَ إطارِ النَّصِّ القُرآنيِّ.
الأصلُ في الأفعالِ
القُرآنُ الكريمُ لم يأتِ بنصٍّ صريحٍ يُحرِّمُ المُصافحةَ بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ. وبالتالي، يبقى الأصلُ في هذا الفعلِ الإباحةَ، ما لم يترتَّبْ عليه ضررٌ أو فسادٌ.
قالَ تعالى:
(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ) (سورةُ الأنعامِ: 119).
وهذا يُؤكِّدُ أنَّ التَّحريمَ لا يكونُ إلَّا بنصٍّ قُرآنيٍّ صريحٍ، وليسَ بناءً على اجتهاداتٍ أو استنباطاتٍ منَ روايات ظنيَّةِ.
المُصافحةُ كوسيلةٍ للتَّواصلِ
المُصافحةُ هي تحيَّةٌ تعبِّرُ عنِ الاحترامِ والتَّواصلِ بينَ النَّاسِ، وتُعدُّ وسيلةً لنشرِ السَّلامِ والتَّفاهمِ في المُجتمعاتِ. ومن هذا المُنطلقِ، ينبغي على الإنسانِ أن يُوازنَ بينَ الالتزامِ بمبادئهِ واحترامِ عاداتِ الآخرينِ. تركُ المُصافحةِ، خاصَّةً من قِبَلِ الشخصيَّاتِ المُهمَّةِ، قد يُساءُ فهمُهُ ويُعتبَرُ تقليلًا من شأنِ الآخرينِ، ممَّا يتنافى معَ القِيَمِ الإسلاميَّةِ التي تدعو إلى التَّآلفِ ونشرِ السَّلامِ.
الرِّواياتُ المُتعلِّقةُ بالمُصافحةِ
رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ محمدًا لم يُصافحِ النِّساءَ، ومنها ما رُوِيَ عن أُميمةَ بنتِ رُقَيقةَ: “أنَّ رسولَ اللهِ قالَ: ما مَسَّتْ يَدِي يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ.”
عندَ تحليلِ هذهِ الرِّوايةِ وغيرِها وفقَ المنهجِ القُرآنيِّ:
- الرِّوايةُ لا تُؤسِّسُ حُكمًا شرعيًّا.
- ظنيَّةُ الثُّبوتِ: الرِّوايةُ لا تصلُ إلى مرتبةِ القَطْعِ، وبالتالي انتفى عنها صفةُ البُرهانِ.
- ظنيَّةُ الدِّلالةِ: حتَّى لو صحَّتِ الرِّوايةُ، فهي تصفُ فعلَ النَّبيِّ ولا تُشيرُ إلى أنَّهُ أمرٌ عامٌّ للأُمَّةِ.
- خصوصيَّةُ النَّبيِّ: أفعالُ النَّبيِّ قد تحملُ خصوصيَّةً لا تنطبِقُ على عُمومِ المُسلمينَ.
وقد يكونُ اجتنابُ النَّبيِّ للمُصافحةِ جزءًا من خصوصيَّاتِهِ التي لا يلزمُ أن تُعمَّمَ على باقي الأُمَّةِ.
خلاصةُ الحُكمِ
- الأصلُ في المُصافحةِ بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ الإباحةُ، ما لم تكنْ هناك نيَّةٌ سيِّئةٌ أو خطرٌ يُؤدِّي إلى الفتنةِ.
- الرِّواياتُ الوارِدةُ عن اجتنابِ النَّبيِّ للمُصافحةِ تصفُ فعلَهُ الشخصيَّ ولا تُؤسِّسُ حُكمًا دينيًّا.
- المُصافحةُ وسيلةٌ للتَّواصلِ ونشرِ الاحترامِ، وترْكُها دونَ مُبرِّرٍ قد يُسبِّبُ إساءةً للآخرينَ.
- التَّحريمُ لا يُمكنُ إثباتُهُ إلَّا بنصٍّ قُرآنيٍّ صريحٍ، وهو ما لا يتوفَّرُ، ممَّا يجعلُ الأصلَ الإباحةَ وفقَ منهجِ التَّشريعِ القُرآنيِّ.
- من يدعي التحريم يلزم عليه أن يأتي بنص قرءاني لأنه خلاف الأصل.
اضف تعليقا