التسامح شعور فردي وحق إنساني مستقل
التسامح مفهوم متعدد الأبعاد يُفهم غالبًا بشكل خاطئ في الخطاب الاجتماعي والسياسي والديني. في هذا المقال، سنناقش التسامح باعتباره شعورًا فرديًا يساعد الإنسان على متابعة حياته بشكل متوازن ومستقر، وليس علاقة بين طرفين تتطلب قبولًا أو تنازلًا من أحدهما. سنناقش أيضًا مفهوم التسامح الديني ونفكك إطاره التقليدي، مقترحين بدلاً منه مفاهيم أكثر دقة مثل التعايش، الاحترام، والتعارف.
التسامح كحالة فردية
التسامح شعور داخلي ينشأ من وعي الإنسان بذاته وحدوده وقدرته على تجاوز الإحساس بالضغينة أو العداء. هذا الشعور لا يتعلق بالضرورة بالطرف الآخر، بل هو عملية فردية تُساهم في تحقيق السلام الداخلي للشخص. عندما يسامح الإنسان، فإنه يتخذ قرارًا شخصيًا بالتحرر من عبء المشاعر السلبية، مثل الغضب والكراهية، مما يُتيح له فرصة لمتابعة حياته دون أن تُثقلها نزاعات الماضي.
من هذا المنظور، التسامح لا يعني قبول سلوكيات أو أفعال الآخرين، بل يعني اختيار الإنسان ألا يكون أسيرًا لهذه الأفعال. إنه عملية علاجية للنفس، تساعد الإنسان على بناء مقاومته العاطفية وتعزيز وعيه بكرامته الذاتية.
التسامح الديني: إشكالية المفهوم التقليدي
يُستخدم مصطلح “التسامح الديني” للإشارة إلى فكرة قبول الأديان الأخرى. لكن هذا المفهوم يُشير ضمنيًا إلى وجود طرف يمنح “السماح” أو القبول، مما يُفضي إلى علاقة غير متساوية بين الأديان أو المعتقدات المختلفة. هذا المفهوم التقليدي يُعزز تفوق طرف على آخر، حيث يصبح التسامح هبة يُمنحها الأقوى للأضعف.
في الواقع، الحرية الفكرية والدينية ليست مسألة تسامح بل حق أصيل لكل فرد. لا يملك أحد الحق في أن “يسمح” للآخرين بممارسة معتقداتهم، لأن هذه الممارسة جزء من حقوق الإنسان الأساسية. التركيز على التسامح الديني يُمكن أن يُحول النقاش من حقوق الإنسان إلى امتيازات يمنحها أو يمنعها طرف معين.
التعايش والاحترام والتعارف كبدائل للتسامح الديني
بدلاً من التسامح الديني، يجب أن نركز على مفاهيم أكثر إنصافًا وفاعلية، مثل التعايش والاحترام والتعارف:
- التعايش: يعكس قدرة الأفراد والجماعات على العيش معًا بسلام رغم اختلافاتهم الثقافية أو الدينية أو الفكرية. التعايش ليس تنازلاً عن المبادئ بل هو اعتراف بالاختلاف كجزء طبيعي من الحياة.
- الاحترام: يتطلب تجاوز مجرد قبول وجود الآخر إلى تقدير اختلافاته كجزء من ثراء التجربة الإنسانية. الاحترام يُبنى على فهم أن جميع الأفراد متساوون في الكرامة والقيمة الإنسانية.
- التعارف: يُشير إلى أهمية الفهم المتبادل بين الأفراد والجماعات. التعارف يُساعد على إزالة الحواجز النفسية والثقافية التي تعيق التواصل، مما يُسهم في بناء علاقات أكثر عمقًا واستدامة.
إعادة التفكير في التسامح
عند فهم التسامح كعملية فردية وليس كإطار لعلاقات القوة بين الأطراف المختلفة، يمكن أن نعيد تقييم دوره في المجتمع. التسامح الفردي يُمكن أن يكون أداة للتحرر النفسي، لكنه ليس بديلاً عن الأنظمة الاجتماعية والسياسية التي تضمن الحقوق والمساواة للجميع.
على المستوى الديني، يجب أن ننتقل من خطاب التسامح إلى خطاب الحقوق والمساواة. الاعتراف بحقوق الآخرين لا يحتاج إلى “سماح” بل إلى منظومة قانونية وأخلاقية تُقر بهذه الحقوق وتحميها. التعايش والاحترام والتعارف يجب أن تكون المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات بين الأفراد والجماعات في المجتمعات المتعددة.
الخلاصة
التسامح شعور فردي يهدف إلى تحقيق السلام الداخلي ولا يعتمد على وجود طرف آخر. أما على المستوى الديني والمجتمعي، فإن استخدام التسامح كإطار للعلاقات يُمكن أن يُعزز اختلالات القوة والهيمنة. بدلاً من ذلك، يجب أن نعتمد على مفاهيم التعايش والاحترام والتعارف لبناء مجتمعات تُقدّر التنوع وتضمن حقوق الجميع. الحرية الفكرية ليست امتيازًا يُمنح بل حق أصيل يُحترم.
اضف تعليقا