هل نفي الخط وتلاوته عن النبي في الماضي أم مستمر

{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48

   تحمل نفيًا واضحًا لحالة النبي في جانبين: التلاوة والخط قبل نزول القرآن. لفهم المعنى العميق للآية ودلالة جملة “ولا تخطه بيمينك”، يجب تحليل العلاقة بين النفي، الزمن، والسببية المرتبطة بالسياق.

النفي في الآية يتحدث عن الماضي بوضوح من خلال عبارة “مِن قَبْلِهِ”، التي تشير إلى أن النبي لم يكن يتلو المخطوط أو يخط بيده قبل نزول القرآن. ومع ذلك، دلالة النفي هنا لا تقتصر فقط على وصف حالة انتهت في الماضي. بدلاً من ذلك، يرتبط هذا النفي بمنع الشك والريب، كما يشير إليه السبب الوارد في الآية: “إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ” معنى هذا الربط أن انتفاء التلاوة للمخطوط والخط عن النبي ليس مجرد وصف زمني للحالة السابقة، بل هو جزء من منظومة منطقية لحماية الحجة القرآنية من التشكيك.

دلالة الاستمرارية للنفي

النفي في “ولا تخطه بيمينك” يتضمن امتدادًا ضمنيًا إلى المستقبل، طالما القرآن ينزل. السبب وراء هذا الاستمرار هو أن القرآن إذا كان مرتبطًا بنبي يتلو المخطوط أو يخط بيده أثناء فترة نزوله، لفتح ذلك الباب أمام المبطلين لاتهامه بتأليف النصوص أو استلهامها من مصادر كتابية أخرى. وعليه، فإن استمرار النفي طوال فترة نزول الوحي ضروري لتحقيق الهدف الأساسي، وهو منع وقوع الشك الذي يمكن أن يضعف الحجة القرآنية.

رابطة النفي بالسببية

كلمة “إِذاً” في الآية تربط بين الشرط (وجود التلاوة للمخطوط أو الخط) والنتيجة (وقوع الشك). هذه الرابطة تؤكد أن حالة النفي للتلاوة والخط عن النبي ليست حالة زمنية عابرة، بل شرط ضروري لضمان استمرارية الحجة التي يقدمها النص القرآني. وبما أن الشك من قِبَل المبطلين أمر محتمل طوال فترة نزول القرآن، فإن المنطق يستلزم استمرار النفي لحالة الخط والتلاوة له ما دامت تلك الفترة قائمة.

الخلاصة

النفي في الآية {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} لا يقتصر على الماضي فقط، بل يحمل دلالة استمرارية ممتدة إلى المستقبل، طالما أن القرآن مستمر في النزول. هذه الاستمرارية ليست مجرد افتراض، بل ترتكز على السياق السببي الذي يربط بين حالة النبي وبين منع وقوع الشك والريب في مصدرية الوحي. إذًا، النفي هنا ليس وصفًا تاريخيًا، بل ضرورة منطقية لحماية مصداقية الرسالة القرآنية خلال فترة نزولها.