مفهوم الظن وحجيته بالاستدلال

      يمثل مفهوم الظن موضوعًا مركزيًا في العديد من النقاشات الفكرية والدينية، حيث يبرز كعامل مهم في تحديد معايير اليقين والشك في الأحكام والاستنتاجات. يسلط القرآن الكريم والحديث النبوي الضوء على الظن، محذرين من مغبة اعتماده كبرهان. هذا المقال يستعرض مفهوم الظن في القرآن الكريم والحديث النبوي، ويعالج قضية الروايات التراثية وظنيتها، ليخلص إلى منهج قرآني منطقي في التعامل مع هذه النصوص.

تعريف الظن: هو شعور  قلبي عند الإنسان نحو الحكم على شيء وبالتالي له درجات تبدأ من الشك وترتقي حسب المعطيات إلى اليقين.

   الظن في القرآن الكريم

    الظن في القرآن الكريم يشير إلى حالة شعورية تتراوح بين اليقين والشك، ويتحدد معناه بناءً على سياق النص والقرائن المحيطة. نستعرض أمثلة قرآنية توضح هذا التفاوت:

  1. الظن اليقيني: يقول الله تعالى:

(الِذِيٖنَ يَظُنُونَ أَنَهُمْ ملاقوا اللَّهِ (البقرة: 249. هنا يُستخدم الظن للتعبير عن يقين داخلي بلقاء الله.

  1. الظن الغالب:

(فَلَاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ (البقرة: 230. الظن هنا يشير إلى تقدير غالبيته رجحان.

  1. الظن الشكي:

إ(ِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (الأنعام: 116 يُنتقد الظن هنا عندما يُستخدم كبديل عن الحقائق.

الظن في الحديث النبوي

روي في الحديث:

“إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا.”

رواه البخاري ومسلم

يحذر الحديث من الظن، واصفًا إياه بأنه أكذب الحديث. يعكس ذلك منهجًا نبويًا يركز على الحذر من الشكوك غير المبررة، خاصة عندما تكون سببًا للفرقة بين الناس.، ومن باب أولى أن يبنى عليه ديناً.

التراث والروايات: بين الظنية واليقين

تُعد معظم النصوص التراثية، بما فيها الأحاديث المنسوبة للنبي، نصوصًا ظنية الثبوت. ورغم الجهود الكبيرة التي بُذلت لتصحيح الأحاديث عبر مصطلح الحديث، إلا أن طبيعة النقل البشري تُبقيها ضمن دائرة الظن، مما يجعلها غير صالحة لتكون مصدرًا للحاكمية الدينية. يقول الله تعالى:

{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116

هذا يحثنا على اتباع المنهج القرآني في التعامل مع النصوص، والذي يقوم على اليقين وليس الظن.

الظن ليس برهانًا: الحاكمية لله

الحاكمية الدينية في الإسلام تستند إلى النص القرآني، وهو النص الوحيد المتفق على قطعيته. أما الأحاديث النبوية والروايات التاريخية، فهي مصادر معرفية تُدرس بمنهج تاريخي نقدي، ولا يُبنى عليها حكم شرعي أو مفهوم غيبي. يقول الله تعالى:

{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40

هذا يؤكد أن التشريع الإلهي يستند إلى نصوص قطعية الدلالة والثبوت، بينما تبقى المصادر الأخرى أدوات لفهم السياق التاريخي والاجتماعي.

الخاتمة

يمثل الظن مفهومًا مركباً متعدد الدرجات في اللسان العربي والمنطق، ويتراوح بين اليقين والشك. يحذر القرءان من الاعتماد عليه كبرهان في القضايا الإيمانية والشرعية. وبناءً على ذلك، تُعد الروايات التراثية مصادر معرفية تاريخية لا تصلح للحاكمية الدينية، حيث تظل الحاكمية لله وحده، وفق النص القرآني الذي يمثل اليقين الوحيد. هذه الرؤية تؤكد ضرورة تبني منهج قرآني منطقي يعتمد على القطع واليقين، مع تركيز الدراسة على النصوص كجزء من منظومة معرفية شاملة.