يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء
تُعتبر الآية الكريمة: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125إحدى الصور القرآنية التي تجمع بين العمق النفسي والإشارة العلمية. هذه الجملة تعبر عن حالة من التضييق والاختناق النفسي المرتبط بالإضلال الإلهي لمن لا يتقبل الهداية. ولإدراك هذا التشبيه على مستوييه النفسي والفيزيائي، نستعرضه بتحليل متكامل.
- البُعد النفسي في التشبيه:
- التضييق والحرج النفسي: “ضَيِّقًا حَرَجًا” تصور حالة من الضيق الشديد يصاحبها إحساس بالخنق والاختناق. تُستخدم كلمة “حرج” لتدل على ضيق بالغ يصل إلى مرحلة الانغلاق التام. هذا التشبيه يُبرز الحالة التي يشعر بها الإنسان عندما يرفض الحق أو يُبعد عن الهداية، حيث يتحول صدره إلى ساحة للضيق الذي يثقل عليه حياته ويمنعه من الراحة أو السكينة.
- التصعيد إلى السماء كتشبيه نفسي: الإحساس بالصعود إلى السماء يخلق صورة ذهنية للتعب والمشقة، فالصعود عمومًا يرتبط ببذل جهد شاق ومُضنٍ، وهنا يُشبَّه صدر الإنسان الرافض للحق بمن يعاني صعوبة بالغة في التنفس أثناء الصعود إلى السماء.
- البُعد الفيزيائي في التشبيه:
- التصعيد والضغط الجوي: من منظور فيزيائي، مع الارتفاع عن سطح الأرض والصعود إلى السماء، يقل الضغط الجوي تدريجيًا. يؤدي ذلك إلى انخفاض كمية الأكسجين المتوفرة في الهواء، مما يُصعِّب عملية التنفس. هذه الظاهرة تُعرف طبيًّا بـ”نقص التأكسج”، حيث يشعر الإنسان بضيق في التنفس وحرج في الصدر مع الارتفاع الشاهق.
- تشبيه فيزيائي دقيق: التشبيه القرآني يُبرز تلازم الحالة النفسية والظاهرة الفيزيائية. فكما أن الصعود إلى السماء يؤدي إلى ضيق النفس بسبب قلة الأكسجين، كذلك فإن الإعراض عن الهداية يُنتج حالة من الاختناق الروحي والضيق النفسي. الجمع بين التشبيه النفسي والفيزيائي هنا يُظهر دقة التعبير القرآني.
- العلاقة بين النفس والفيزياء:
- يُمكن فهم التشبيه في سياق علم النفس الفسيولوجي، حيث يرتبط الضيق النفسي بتغيرات جسمية مثل تسارع ضربات القلب وضيق التنفس، وهذه الأعراض تُحاكي ما يحدث فعليًّا عند نقص الأكسجين. بذلك، يتطابق التشبيه القرآني مع فهمنا العلمي للعلاقة بين العقل والجسم.
- دلالة التعبير في السياق الكلي:
- استخدام “كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ” ليس فقط لتوضيح صعوبة الحال، بل لإيصال رسالة عن طبيعة الإضلال الإلهي: هو تضييق تدريجي يشبه الصعود المتواصل، حيث يزداد الضغط النفسي والاختناق الروحي كلما ابتعد الإنسان عن الإيمان والهداية.
- استنتاج:
التشبيه القرآني في هذه الآية يُظهر انسجامًا عجيبًا بين وصف الحالة النفسية للمُعرضين عن الهداية وبين الظاهرة الفيزيائية المتعلقة بالصعود إلى السماء. هذا الربط يعكس الإحكام والمعلومة في اختيار الألفاظ التي تعبر بدقة عن المعنى النفسي والفيزيائي في آنٍ واحد. ومن هنا، يمكن القول إن الآية ليست مجرد تعبير بلاغي، بل هي وصف متكامل لحقيقة نفسية وكونية.
اضف تعليقا