الدولة لا يحكمها شخص أو أسرة

      تُعتبر الدولة مؤسسة معقدة تهدف إلى تنظيم حياة الأفراد في المجتمع وضمان حقوقهم وتحقيق العدالة الاجتماعية. إلا أن اختزال الدولة بشخص واحد أو بأسرة أو طائفة أو حزب يُشكِّل تهديدًا كبيرًا لبنية الدولة وأهدافها الأساسية. إن هذا الاختزال يُضعف المؤسسات ويُكرس الاستبداد، مما يؤدي إلى تبعات كارثية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أولًا: اختزال الدولة والاستبداد

عندما تُختزل الدولة بشخص أو جماعة، تصير القرارات مُتمركزة في يد واحدة. يؤدي ذلك إلى غياب التوازن والمساءلة، حيث يتم تهميش المؤسسات الرقابية والقضائية. فبدلًا من أن تعمل هذه المؤسسات كحَكَم محايد لضمان استقرار الدولة، تصير خاضعة لإرادة الفرد أو الجماعة المهيمنة. هذا النمط يفتح الباب أمام استبداد الحاكم، الذي قد يتخذ قرارات مصيرية دون استشارة المختصين أو مراعاة المصلحة العامة.

ثانيًا: مخاطر رعونة القرارات الأحادية

إن القرارات الأحادية التي يتخذها الحاكم أو الجهة المسيطرة دون رقابة أو مشورة قد تُعرِّض الدولة للخطر، خاصة في القضايا المصيرية كإعلان الحروب أو توقيع الاتفاقيات الدولية. ففي ظل غياب المؤسسات المحايدة، قد تتخذ قرارات كارثية تنعكس سلبيًا على مستقبل الدولة وأمنها، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي والخارجي.

ثالثًا: الأثرة بالثروات العامة

عندما يُسيطر شخص أو جماعة على الدولة، يصير الوصول إلى الثروات والموارد العامة محتكرًا لصالح هذه الجهة. يؤدي ذلك إلى تفشي الفساد والإثراء غير المشروع على حساب الشعب. فتتحول الدولة من كيان يخدم الصالح العام إلى أداة لتحقيق مصالح ضيقة.

أهمية المؤسسات الحيادية

لتجنب هذه المخاطر، من الضروري أن تقوم الدولة على مؤسسات حيادية تُساهم في تحقيق التوازن والرقابة. تتولى هذه المؤسسات:

  1. مراقبة أداء الحكومة: تعمل المؤسسات الحيادية كآلية رقابية لضمان أن الحكومة تُنفذ سياساتها بما يخدم مصلحة الشعب.
  2. ضمان العدالة: تسهم المؤسسات المستقلة، مثل القضاء، في تطبيق القانون على الجميع دون تمييز.
  3. حماية الحقوق: تُضمن مؤسسات المجتمع المدني والصحافة الحرية والشفافية، مما يُساعد في منع الاستبداد.
  4. التخطيط الاستراتيجي: تُوفر هذه المؤسسات خبرات علمية وفنية تدعم اتخاذ القرارات المستنيرة.

خلاصة

إن بناء الدولة على مؤسسات حيادية يُشكِّل الضمانة الأساسية لحمايتها من الاستبداد والمخاطر المرتبطة به. فبدلًا من أن تُختزل الدولة بشخص أو طائفة، يجب أن تكون مؤسساتها قوية ومستقلة لضمان استمرارها وتحقيق أهدافها. يقتضي ذلك تعزيز ثقافة المشاركة والمسؤولية الجماعية، حتى تبقى الدولة كيانًا يخدم جميع مواطنيها، بعيدًا عن المصالح الضيقة.