كيف يحكم العقل بصواب شيء أو ثبوته؟
الحكم العقلي على صواب شيء أو ثبوته هو عملية منهجية تعتمد على الملاحظة، التحليل، والتجربة. العقل أداة الإدراك التي تُمكن الإنسان من استنباط الحقائق وفهم العالم من حوله. في هذا السياق، سنتناول كيف يحكم العقل على الأشياء، وسنركز على مفهوم التتابع كظاهرة اجتماعية متنامية في إثبات الحدث التاريخي، مثل القرآن الكريم، ومقارنتها بالروايات الحديثية.
1. وسائل الحكم العقلي على الأشياء
أ. وقوع الحواس على الشيء مباشرة:
الحكم العقلي يبدأ من الملاحظة المباشرة، حيث تُدرك الحواس الشيء حسياً، مما يتيح للعقل الحكم على وجوده وتصوره. مثال على ذلك رؤية جسم معين؛ يمكن الحكم على وجوده وشكله بناءً على الإحساس المباشر.
ب. وقوع الحواس على أثر الشيء:
في حالة عدم رؤية الشيء نفسه، يمكن للعقل أن يحكم على وجوده من خلال آثاره. على سبيل المثال، سماع طرق على الباب يجعل العقل يحكم بوجود شخص يقوم بفعل الطرق، دون أن يدرك الشخص ذاته.
ج. وقوع الحواس على الحدث وممارسته:
عندما يرتبط الحدث بتجربة حاضرة أو ماضية، يمكن للعقل أن يستدل على وجوده وتتابعه عبر استمرارية الفعل وممارسات المجتمع. هذه الوسيلة تتيح للعقل الحكم على وجود الشيء وحتى تصوره من خلال القياس بين الحاضر والماضي.
2. الحكم على قطعية الخبر أو الحدث
أ. الخبر المقترن ببرهان:
الخبر الذي يُصاحبه دليل عقلي أو حسي يُمكّن العقل من القطع بوقوعه. على سبيل المثال، يمكن إثبات وجود ظاهرة طبيعية معينة عندما تُدعم بالملاحظة العلمية.
ب. ممارسة الحدث المتتابع:
التتابع هو نقل ممارسة حدث عبر الزمن من خلال حصوله كظاهرة ثقافية اجتماعية متصلة دون انقطاع. هذه الظاهرة الاجتماعية المتنامية تثبت وقوع الحدث ابتداءً، دون أن تتعلق بصحة مضمونه. التتابع يعتمد على استمرار الممارسة وتراكمها زمنياً في المجتمعات، ما يجعلها فوق النقد والنقض كوقوع وثبوت.
3. الفرق بين نقل القرآن ونقل الروايات الحديثية
أ. التتابع في نقل القرآن:
وصل إلينا القرآن الكريم عبر تتابع متنامي متتالي متصل مع تعهد بمبنى النص، حيث تم نقله جيلاً بعد جيل من خلال التلاوة الصوتية، والحفظ، والتعبد بتلاوته، ودراسته، مع التدوين المبكر. هذه الظاهرة الاجتماعية التراكمية جعلت النص القرآني ثابتاً تاريخياً فوق النقد والنقض، باعتباره حدثاً متتابعاً ومتعهد به بالمعنى الاجتماعي كظاهرة ثقافية. التتابع هنا لا يعني السند الروائي الفردي، بل هو حالة شاملة مستمرة ومتنامية.
ب. الروايات الحديثية:
في المقابل، الروايات الحديثية تعتمد على السند الفردي أو المحدود، مما يجعلها ظنية الثبوت. لا تمتلك الروايات نفس القوة التتابعية التي يمتلكها القرآن؛ إذ إن نقلها محدود بأفراد مهما كثروا، ما يفتح المجال للنقد والنقض، وتبقى الروايات ظنية الثبوت ولا يمكن الجزم بثبوتها.
ب. التتابع مقابل التواتر:
التواتر هو مفهوم يرتبط بالنقل الروائي، حيث يعتمد على عدد الرواة. أما التتابع فهو أوسع وأعمق، إذ يرتبط بالاستمرارية الاجتماعية والثقافية لنقل الممارسات عبر الزمن، مما يجعلها متأصلة في وجدان المجتمع.
5. كيف أثبت التتابع ثبوت القرآن؟
أ. ظاهرة ثقافية متنامية:
النقل القرآني لم يقتصر على الحفظ الفردي، بل تعدى ذلك ليصير ظاهرة ثقافية ابتداء منذ نزوله في المجتمع الأول ، والتدوين الخطي المبكر، والتعليم المستمر وتعهد المبنى حرفيا وارتباطه بنهضة الأمة وثقافتها فهو نص حيوي مرتبط بالأحداث والتثقيف. هذه الممارسات جعلت القرآن نصاً ثابتاً تاريخياً.
ب. فوق النقد والنقض كثبوت:
التتابع التاريخي للقرآن جعله فوق النقد والنقض كواقعة تاريخية. النص القرآني تم نقله بطريقة تجعل التشكيك في أصله التاريخي مستحيلاً، على عكس الروايات الحديثية التي يمكن نقدها بناءً على سندها.
6. الخاتمة
الحكم العقلي على صواب شيء أو ثبوته يعتمد على وسائل متعددة، مثل الحواس المباشرة، الآثار، والتتابع الاجتماعي. التتابع كظاهرة اجتماعية متنامية يثبت وقوع النصوص أو الأحداث دون أن يرتبط بصحة مضمونها. القرآن الكريم يمثل حالة خاصة من التتابع والتعهد المجتمعي عبر التاريخ الذي جعله نصاً ثابتاً وفوق النقد كثبوت تاريخي، على عكس الروايات الحديثية التي تبقى ظنية الثبوت. وهكذا، يعمل العقل على استنباط الحقائق عبر أدواته المنهجية، مستنداً إلى مفاهيم دقيقة كالتتابع للأحداث في شعوب الأمة كظاهرة ثقافية وممارسة متصلة.
وبعد ثبوت النص القرءاني تاريخياً وحفظه صرنا الآن في مستوى دراسة النص القرءاني كتوثيق منطقي وعلمي أنه من الله وليس من البشر وهذا أمر متاح دراسته لكل مجتمع وفق أدواتهم المعرفية ، وبذلك نكون انتقلنا من التوثيق التاريخي إلى التوثيق الإيماني الذي ينبغي أن تهتم به المراكز العلمية و البحثية والثقافية ليصير نصا ثابتا أنه من عند الله ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
اضف تعليقا