أثر المذاهب الفقهية الأربعة على تخلف الأمة فكرياً

      شهد العالم الإسلامي في التاريخ تطورًا فكريًا وتشريعيًا بارزًا أدى إلى ظهور المذاهب الفقهية  وأشهرها الأربعة. هذه المذاهب لم تكن سوى اجتهادات بشرية تهدف إلى تنظيم الحياة الدينية والاجتماعية للمسلمين في أزمنة وظروف معينة. ومع ذلك، فإن هذه الاجتهادات، التي يُفترض أن تكون تفاعلاً مع النص الأصلي القُرآن، ولكن تحوَّلت مع الزمن إلى نصوص مُلزمة وقُدمت على النص الأصلي مما أثار تساؤلات حول علاقتها بالمصدر الأساسي للدين.

كتاب “بدعة التعصب المذهبي” للشيخ محمد عيد عباسي صدر في طبعته الأولى عام 1390 هـ (1970 م).

رد على هذا الكتاب، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في كتاب بعنوان “اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية”، حيث انتقد فيه الدعوة إلى ترك التمذهب والالتزام بمذهب معين.

تجدر الإشارة إلى أن كتاب “بدعة التعصب المذهبي” تضمن ملحقًا خاصًا بالمناظرة الشهيرة التي جرت بين الشيخ ناصر الدين الألباني والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حول موضوع التمذهب والتعصب المذهبي

  1. المذاهب الأربعة: مؤسسوها وتاريخهم

أ. المذهب الحنفي

  • المؤسس: الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت.
  • مولده: سنة 80 هـ في الكوفة.
  • وفاته: سنة 150 هـ.
  • القواعد الفقهية: اعتمد أبو حنيفة على القياس والاستحسان كأدوات اجتهادية، بجانب القرآن والروايات وكان يعتمد على العقل أكثر من الرواية، ولكن أتباعه صار معهم شطط كبير وصاروا يتعاملون مع الافتراضات والاحتمالات الهزلية
  • الانتشار السياسي: دعم الدولة العباسية لهذا المذهب ساهم في انتشاره الواسع، خاصة في العراق وأجزاء من آسيا الوسطى.

ب. المذهب المالكي

  • المؤسس: الإمام مالك بن أنس.
  • مولده: سنة 93 هـ في المدينة المنورة.
  • وفاته: سنة 179 هـ.
  • القواعد الفقهية: ركز الإمام مالك على عمل أهل المدينة باعتباره مرجعًا أساسيًا بجانب القرآن والرواية.
  • الانتشار السياسي: اعتمده الأندلس والمغرب العربي بفضل دعم الدولة الأموية في الأندلس.

ج. المذهب الشافعي

  • المؤسس: الإمام محمد بن إدريس الشافعي.
  • مولده: سنة 150 هـ في غزة.
  • وفاته: سنة 204 هـ.
  • القواعد الفقهية: وضع أسس علم أصول الفقه السلفي وكرس مفهوم فكرة الوحي الثاني.
  • الانتشار السياسي: دعم الدولة العباسية والشافعية في مصر ساعد على انتشار المذهب في الشام ومصر.

د. المذهب الحنبلي

  • المؤسس: الإمام أحمد بن حنبل.
  • مولده: سنة 164 هـ في بغداد.
  • وفاته: سنة 241 هـ.
  • القواعد الفقهية: اعتمد الإمام أحمد بشكل رئيسي على النصوص الروائية ولو كانت الرواية ضعيفة فهو يقدمها على التفكير والاجتهاد والفهم لذلك كان له عدة أقوال في المسألة الواحدة حسب ما يصله من روايات مع تقليل الاعتماد على الرأي.
  • الانتشار السياسي: دعم السلاطين والأمراء للمذهب ساهم في انتشاره خاصة في الجزيرة العربية.
  1. الأسباب السياسية والاجتماعية لانتشار المذاهب

انتشار المذاهب الفقهية كان نتيجة تداخل العوامل السياسية والاجتماعية، حيث استغلت الدول والحكومات هذه المذاهب لإضفاء الشرعية على سياساتها. دعم الخلفاء والأمراء لأئمة المذاهب كان أداة لتثبيت السلطة السياسية. على سبيل المثال:

  • الدولة العباسية دعمت المذهب الحنفي لتثبيت سيطرتها.
  • الأندلسيون اعتمدوا المذهب المالكي لتعزيز استقلالهم الثقافي.
  • الشافعية استُخدمت لتوحيد المناطق المصرية والشامية.
  • الحنبلية خدمت السلطة في الجزيرة العربية لاحقًا.
  1. المذاهب كجهد بشري غير ملزم

رغم المكانة التي اكتسبتها المذاهب الأربعة، إلا أنها تبقى في جوهرها اجتهادات بشرية تتفاعل مع سياقات تاريخية محددة. لا يوجد في النصوص القرآنية ما يلزم باتباع مذهب فقهي بعينه، وإنما المطلوب هو الاجتهاد والتفاعل المباشرمع النص الأصلي. ومع ذلك، صارت هذه المذاهب في مراحل لاحقة بمثابة دين موازٍ للدين الإسلامي.

  1. أسباب تقليد المذاهب وهجر النصوص الأصلية

أ. غياب الوعي والاجتهاد

تحولت المجتمعات الإسلامية إلى تقليد المذاهب بسبب تراجع الاجتهاد وغياب المؤسسات العلمية التي تعزز فهم النصوص الأصلية.

ب. العوامل السياسية

دعمت الدول التقليد للمذاهب لتثبيت السلطة وإضعاف أي محاولات للتغيير.

ج. التعقيد الفقهي

التعقيدات الفقهية والمصطلحات التي استخدمها الأئمة جعلت الناس يتجنبون الاجتهاد المباشر.

د. تقديس الأئمة

تصاعدت مكانة الأئمة في الثقافة الإسلامية حتى أصبحت أقوالهم تُقدّم على النصوص القرآنية.

  1. أثر تقليد المذاهب على الدين

تحول الفقه إلى إطار مغلق أدى إلى إضعاف العلاقة بين المسلم والنص القرآني، حيث باتت أقوال العلماء تُعامل كأنها وحي منزل، مما أضعف التفاعل الحقيقي مع القرآن وخلق حالة من الجمود الفكري.

خاتمة

المذاهب الفقهية الأربعة تمثل في حقيقتها عموماً تقديم الرواية على القرءان. ورغم قيمتها التاريخية، فإنها ليست ملزمة بأي حال من الأحوال وما ينبغي على أي دولة معاصرة أن تتبنى مذهبا منها وينبغي أن تعيد دراسة الفقه الاجتماعي وما يتعلق بالأحوال الشخصية من منظور القرءان وفق منهجه اللساني والمنطقي ويقوم على المقاصد والمنافع ، وينبغي العودة إلى النصوص الأصلية لفهم الدين بعيدًا عن الجمود والتقليد. إعادة إحياء الاجتهاد والتفاعل المباشر مع القرآن هو السبيل للخروج من مأزق تقديس المذاهب وتحولها إلى مصدر موازٍ للنص الإلهي.