مبادرة قائد الثورة لاستلام الحكم في مرحلة انتقالية بعد إسقاط نظام طاغية

تشهد الدول التي تمر بثورات سياسية واضطرابات عميقة أوضاعًا معقدة تجعل من الصعب تطبيق المعايير الديمقراطية التقليدية. في ظل انهيار كامل لمؤسسات الدولة وغياب السلم والأمن وانتشر السلاح بين مجموعات خارج مؤسسة الدولة مع امتناع بعضضها عن تسليم السلاح وانعدام الموارد التنموية والمرافق العامة، يصير من الضروري البحث عن نموذج حكم انتقالي فعال يقود البلاد إلى الاستقرار والبناء. هذه الدراسة تستعرض الأبعاد السياسية، الاجتماعية، والقانونية لمبادرة قائد الثورة في استلام الحكم بمرحلة انتقالية دون انتخابات شعبية مباشرة.

أولًا: الأبعاد السياسية لمبادرة قائد الثورة

  1. الضرورة السياسية لقيادة انتقالية:
    • في الدول التي تشهد انهيارًا شاملاً في البنية التحتية، تصير الانتخابات التقليدية غير عملية بل وقد تؤدي إلى مزيد من الانقسام.
    • وجود نصف الشعب مشردًا في الخارج أو في مخيمات اللجوء يجعل من الصعب ضمان انتخابات نزيهة وشاملة تعكس إرادة الجميع.
    • التجارب التاريخية تظهر أن المراحل الانتقالية تتطلب قيادة مركزية قوية لإعادة بناء الدولة قبل الانتقال إلى الديمقراطية التعددية.
  2. التجربة التاريخية والمقارنة:
    • في تجارب دول مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، كان من الضروري وجود إدارة انتقالية لإعادة الإعمار قبل تمكين الديمقراطية.
    • في فرنسا بعد الثورة، ظهرت قيادات مركزية مثل نابليون لضبط الأوضاع ومنع الفوضى.

ثانيًا: الأبعاد الاجتماعية لمبادرة القائد

  1. إعادة توحيد المجتمع:
    • بعد فترات النزاع، يعاني المجتمع من الانقسامات القبلية والطائفية والسياسية، مما يتطلب قيادة ذات شرعية ثورية قادرة على فرض الاستقرار.
    • إعادة اللاجئين وتأمين الأمن و سبل العيش الكريمة لهم تتطلب قرارات تنفيذية سريعة لا يمكن تأجيلها حتى إجراء انتخابات.
  2. الإدارة بالأولويات:
    • الأولوية القصوى تكون لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل الأمن الاجتماعي والغذائي، والوحدة للشعب والوطن و الكهرباء، والمياه، والصحة، والتعليم..
    • وضع خطط طوارئ لتأمين الغذاء والوقود وإعادة تشغيل شبكات الكهرباء والاتصالات والمواصلات….

ثالثًا: الأبعاد القانونية والدستورية لمبادرة قائد الثورة

  1. الشرعية الثورية مقابل الشرعية الدستورية:
    • في ظل انهيار النظام السابق، يكون الإطار القانوني التقليدي غير ذي معنى، وتصير الشرعية الثورية المصدر الأساسي للحكم.
    • شرعية قائد الثورة تستمد من نجاحه في إسقاط الطغيان وحماية وحدة البلاد ومنع الفوضى وحقن الدماء.
  2. النماذج القانونية للقيادة الانتقالية:
    • يمكن الاستناد إلى تجارب دولية مثل تشريعات الطوارئ التي تمنح القائد صلاحيات واسعة خلال أزمات كبرى.
    • استحداث مجلس وطني انتقالي يتولى المصادقة على القرارات الكبرى لضمان عدم الانفراد بالسلطة.
  3. المثال القرآني في مبادرة يوسف عليه السلام:
    • النبي يوسف عليه السلام بادر إلى طلب إدارة شؤون التموين في مصر عندما أدرك خطورة المجاعة الوشيكة: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55].
    • المبادرة بالحلول بدل انتظار فشل النظام هي من سمات القيادة الرشيدة، خاصة في الأزمات الكبرى.

رابعًا: التحديات والضمانات لنجاح القيادة الانتقالية

  1. التحديات المحتملة:
    • مقاومة بعض القوى السياسية التي تطالب بانتخابات فورية دون مراعاة الواقع.
    • التدخلات الخارجية التي قد تحاول فرض أجندات سياسية تناسب مصالحها.
    • صعوبة إعادة بناء الاقتصاد بسرعة في ظل غياب الموارد.
  2. الضمانات المطلوبة:
    • تشكيل مجلس استشاري يضم ممثلين عن الفئات الوطنية لضمان توازن السلطة.
    • وضع خارطة طريق واضحة تحدد مراحل الانتقال إلى الحكم الديمقراطي بعد استقرار البلاد.
    • تعزيز الشفافية في إدارة الموارد لمنع الفساد وضمان دعم الشعب للقيادة الانتقالية.

الخاتمة

إن المبادرة باستلام الحكم من قبل قائد الثورة في مرحلة انتقالية ليست خيارًا عبثيًا، بل ضرورة حتمية لإنقاذ البلاد من الغرق في الفوضى والانهيار. وكما أن السفينة التي فقدت قبطانها تحتاج إلى شخص يوجهها بأسرع وقت، فإن الدولة الخارجة من أزمة تحتاج إلى قيادة حازمة وقادرة على اتخاذ القرارات المصيرية. التجارب التاريخية والواقع السياسي والاجتماعي والقانوني تؤكد أن القيادة الانتقالية المستندة إلى شرعية الإنجاز يمكن أن تكون الحل الأمثل لتجاوز الأزمات الكبرى وتحقيق الاستقرار والتنمية.