هل تسعى تركيا لجعل سوريا ولاية عثمانية أو تابعة لها
مع وصول الرئيس الجديد أحمد الشرع إلى الحكم في سوريا، تتغير معادلات السلطة والقرارات الاستراتيجية داخل البلاد. لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر تركيا في محاولتها فرض نفوذها على سوريا، بل وربما تحويلها إلى ولاية عثمانية أو تابعة لها؟ وما مدى قدرة الرئيس الشرع على تحقيق سيادة سورية فعلية، ولو بشكل نسبي، في ظل التعقيدات الدولية والإقليمية؟
أولًا: الأهداف التركية في سوريا – قراءة واقعية
في ظل حكم الرئيس الجديد، لا تزال تركيا محافظة على إستراتيجيتها الأساسية في سوريا، والتي يمكن تلخيصها في المحاور التالية:
- الأمن القومي ومحاربة التهديدات الكردية
- لا تزال تركيا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تهديدًا لأمنها القومي، ومن غير المتوقع أن تغير إستراتيجيتها العسكرية في الشمال السوري.
- قد تحاول استغلال أي مرحلة انتقالية في دمشق لتعزيز سيطرتها على المناطق الحدودية، خاصة مع استمرار التوتر في الشمال.
- التوسع الجيوسياسي وبسط النفوذ الإقليمي
- تركيا تهدف إلى جعل مناطق الشمال السوري جزءًا من نفوذها الاقتصادي والعسكري، من خلال دعم الفصائل المسلحة الموالية لها.
- تحاول أنقرة فرض أمر واقع جديد عبر الإدارة غير المباشرة لمناطق مثل إدلب وعفرين والباب.
- الملف الديموغرافي وتوطين اللاجئين
- قد تزيد أنقرة من ضغطها لإعادة توطين اللاجئين السوريين في الشمال السوري، مما يعزز من نفوذها هناك.
- هذا قد يؤدي إلى تغيير ديموغرافي يجعل أي حكومة سورية جديدة مضطرة للتعامل مع واقع جديد فرضته أنقرة.
- البعد الأيديولوجي والتاريخي
- الخطاب العثماني الجديد لا يزال حاضرًا في السياسة التركية، حيث تحاول أنقرة إعادة إحياء نفوذها في مناطق كانت ضمن الدولة العثمانية.
- لكن عمليًا، تبقى سياسة تركيا مبنية على المصالح أكثر من أي حلم إمبراطوري.
ثانيًا: هل تسعى تركيا إلى ضم سوريا أو تحويلها إلى ولاية؟
رغم توسع النفوذ التركي، لا توجد مؤشرات على أن أنقرة تسعى لضم سوريا بشكل كامل، للأسباب التالية:
- التكاليف السياسية والعسكرية
- أي محاولة لضم سوريا ستؤدي إلى مواجهة مع القوى الكبرى مثل روسيا وإيران.
- لا تمتلك تركيا القدرة على إدارة سوريا بشكل مباشر، وسيكون ذلك استنزافًا اقتصاديًا وسياسيًا.
- عدم وجود غطاء قانوني دولي
- لا تستطيع تركيا ضم أي جزء من سوريا رسميًا دون مواجهة عزلة دولية وعقوبات محتملة.
- إستراتيجية “النفوذ غير المباشر” بدلًا من “الضم المباشر“
- ستستمر تركيا في بناء نفوذ طويل الأمد عبر دعم الفصائل المسلحة، وفرض السيطرة الاقتصادية والإدارية في المناطق التي تحتلها حاليًا.
ثالثًا: السيادة السورية في عهد الرئيس أحمد الشرع – هل القرار مستقل؟
مع وصول الرئيس الجديد إلى السلطة، هناك عدة عوامل تؤثر على مدى استقلالية القرار السوري:
- هل سيتمكن من التحرر من النفوذ الروسي والإيراني؟
- روسيا وإيران كانتا لاعبين رئيسيين في سوريا، وأي تغيير في القيادة السورية قد يدفعهما لمحاولة تأمين مصالحهما.
- الرئيس الجديد بحاجة إلى إعادة التوازن في علاقاته الدولية لضمان أكبر قدر من الاستقلالية.
- هل يمكن استعادة الشمال السوري من تركيا؟
- هذا يعتمد على قدرة الدولة السورية على تقوية الجيش والاقتصاد.
- أي تحرك عسكري ضد الوجود التركي سيحتاج إلى توافق دولي.
- التحديات الداخلية
- الأزمة الاقتصادية ستظل عائقًا أمام أي قرارات سياسية مستقلة.
- إعادة إعمار الدولة واستعادة مؤسساتها سيتطلب موارد ضخمة، مما قد يدفع الحكومة الجديدة للبحث عن تحالفات جديدة.
رابعًا: الخلاصة – إلى أين تتجه الأمور؟
- تركيا لن تحول سوريا إلى ولاية عثمانية بالمعنى الحرفي، لكنها ستستمر في توسيع نفوذها في الشمال.
- الرئيس أحمد الشرع لديه فرصة لإعادة بناء سيادة سوريا، لكنه سيواجه تحديات كبيرة من الداخل والخارج.
- التوازن بين القوى الكبرى (روسيا، إيران، تركيا، والغرب) سيكون عاملًا حاسمًا في مستقبل سوريا.
- على الحكومة الجديدة تقوية الاقتصاد والجيش، والعمل على استعادة السيطرة على المناطق التي تخضع لنفوذ تركيا.
التوصيات:
- إعادة بناء مؤسسات الدولة لضمان قرار مستقل قدر الإمكان.
- التفاوض بحذر مع القوى الإقليمية والدولية لتقليل التدخلات الأجنبية.
- تعزيز القوة العسكرية والسياسية لاستعادة المناطق المحتلة من قبل تركيا.
- تحقيق توازن بين العلاقات الدولية لمنع سوريا من الوقوع تحت نفوذ طرف واحد فقط.
كلمة أخيرة
التغيير في القيادة السورية قد يفتح الباب لإعادة رسم سياسات الدولة، لكن التحديات التي تواجهها ضخمة ومعقدة. هل سيتمكن الرئيس الجديد أحمد الشرع من فرض سيادة فعلية لسوريا أم سيبقى القرار السوري محكومًا بتوازنات القوى الكبرى؟ هذا ما ستكشفه التطورات القادمة.
اضف تعليقا