ظاهرة الاقتراب من الموت بين العلم والمنطق

   تُعَدُّ ظاهرة الاقتراب من الموت (Near-Death Experience – NDE) من أكثر الظواهر التي أثارت جدلًا في الأوساط العلمية والفلسفية، إذ يروي أشخاص مرّوا بتجربة الموت السريري قصصًا غير عادية عن خروجهم من أجسامهم، ورؤيتهم للأحداث من منظور خارجي، بل وحتى إدراكهم لأحداث واقعية حصلت خارج نطاق حواسهم. فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة؟ وهل هي دليل على وجود النفس ككيان مستقل عن الجسم، أم أنها مجرد تلاعب عصبي في الدماغ؟

الموت لا رجعة فيه: هل يمكن حقًا العودة من الموت؟

قبل الخوض في تحليل الظاهرة، يجب التأكيد على أن الموت، بالمفهوم البيولوجي، هو حالة نهائية لا رجوع منها. وعليه، فإن تسمية هذه الظاهرة بـ “العودة من الموت” غير دقيقة، لأن الذين يمرون بهذه التجربة لم يموتوا فعليًا، بل كانوا في حالة توقف وظيفي مؤقت، مثل السكتة القلبية أو الغيبوبة العميقة، التي يمكن عكسها بالتدخل الطبي. لذلك، من الأدق القول إن هؤلاء الأشخاص لم يموتوا، بل اقتربوا من الموت.

التفسيرات العصبية: هل الدماغ وحده مسؤول عن الوعي؟

التفسير العلمي التقليدي يعتمد على الدماغ والجهاز العصبي لفهم تجربة الاقتراب من الموت. وفقًا لبعض الدراسات، فإن هذه الظاهرة قد تنتج عن:

  • نقص الأكسجين في الدماغ، مما يؤدي إلى اضطرابات بصرية وهلوسات.
  • إطلاق موجات دماغية غير طبيعية خلال السكتة القلبية، مما يخلق إحساسًا بالخروج من الجسد.
  • تأثير هرمونات التوتر مثل الإندورفين، التي قد تسبب شعورًا بالسلام والسكينة.

لكن هذه التفسيرات لا تكفي، لأنها لا تفسر كيف يتمكن بعض الأشخاص من رؤية تفاصيل دقيقة عن واقعهم أثناء فقدانهم للوعي، أو حتى إدراك أحداث حصلت خارج محيطهم الفيزيائي، وهو ما يقودنا إلى البحث عن تفسير أعمق.

النفس ككيان مستقل: تفسير منطقي خارج نطاق الدماغ

إذا كان الدماغ مجرد جهاز عضوي، فكيف نفسر الإدراك الواعي عند توقف وظائفه الحيوية؟ هنا يبرز حضور النفس ككيان مستقل عن الجسم، وهي التي تشكل شخصية الإنسان وإدراكه، وتكون مسؤولة عن وعيه، بينما يعمل الدماغ كوسيط مادي فقط.

  1. إثبات وجود النفس بالمنطق

النفس لا يمكن قياسها بالأدوات التجريبية، لكنها تُثبت منطقيًا من خلال آثارها، وفق قاعدة أن وقوع الأثر يدل على وجود المؤثر. ومن هذه الآثار:

  • الوعي الذاتي، الذي لا يمكن تفسيره بآليات الدماغ المادية فقط.
  • اتخاذ القرارات الأخلاقية، التي تتجاوز وظائف الدماغ البيولوجية.
  • الإدراك المستقل عن الجسم، كما يظهر في تجارب الاقتراب من الموت.
  1. تفسير ظاهرة الاقتراب من الموت وفق مفهوم النفس

بناءً على هذا الفهم، يمكن تفسير تجربة الاقتراب من الموت كالتالي:

  • عند توقف نشاط الدماغ مؤقتًا، يحدث انفصال جزئي بين النفس والجسم.
  • تبقى النفس في حالة إدراك، لكنها تعمل خارج نطاق الدماغ، مما يسمح لها برؤية جسمها من الخارج، أو إدراك أحداث من زوايا غير ممكنة حسيًا.
  • بعد عودة النفس إلى الجسم، تقوم النفس بالتفاعل مع الدماغ وتتواصل مع المحيط الخارجي من خلاله ، فيخبر الشخص بما رأى.
  • أدلة على الإدراك خارج الدماغ

العديد من الحالات الموثقة تشير إلى أن الأشخاص الذين مروا بتجربة الاقتراب من الموت:

  • وصفوا تفاصيل دقيقة عن العمليات الجراحية التي أجريت لهم، رغم فقدانهم للوعي بالكامل.
  • أدركوا أحداثًا وقعت خارج غرف العمليات، وتم التأكد لاحقًا من صحتها.
  • تمكنوا من رؤية أجسامهم من زوايا غير ممكنة حسيًا، مما يستبعد تفسيرها كهلوسات دماغية.

هذه الحالات لا يمكن تفسيرها بمجرد نشاط عصبي، مما يدعم فكرة أن النفس كيان مستقل قادر على الإدراك حتى خارج الجسم.

خلاصة: بين العلم والمنطق

  1. الموت لا رجعة منه، وتجارب الاقتراب من الموت ليست “عودة من الموت”، بل حالات توقف وظيفي مؤقت.
  2. التفسيرات العصبية وحدها لا تكفي لتفسير الظاهرة، لأنها لا تفسر الإدراك الواعي أثناء غياب النشاط الدماغي.
  3. النفس، ككيان غير مادي، تفسر هذه الظاهرة بشكل منطقي، حيث يمكنها إدراك الواقع حتى عند تعطل الدماغ مؤقتًا.
  4. وجود أدلة على إدراك الأشخاص لأحداث خارج نطاق حواسهم يدعم فكرة أن الوعي ليس محصورًا في الدماغ فقط.
  5. وإثبات النفس ووظائفها الواعية وقدرتها على التفاعل خارج الجسم يفسر كثير من الظواهر مثل التخاطر بين طرفين بصرف النظر عن المسافة بينهما أو رؤية  أحداث خارج محيط حواس الإنسان أو رؤية ما وراء الجدران…

بالتالي، فإن تجارب الاقتراب من الموت هو أحد الأدلة على أن النفس كيان مستقل، وأن الإدراك والوعي ليسا مجرد وظائف عصبية، بل جزء من كيان أعمق وأوسع من الدماغ نفسه.