من صاحب الإسراء النبي موسى أم النبي محمد؟

        قضية تحديد صاحب الإسراء في سورة الإسراء، وهل هو النبي موسى أم النبي محمد، تحتاج إلى دراسة متأنية تعتمد على النص القرآني ذاته دون تأثر بالتراث أو الافتراضات المسبقة. نستعرض في هذا المقال التفاصيل اللسانية والسياقية والمنطقية لتحليل النصوص واستكشاف الإجابة.

النص القرآني محل الدراسة:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء: 1).

تحليل الفكرة: هل النص يشير إلى النبي موسى؟

أولاً: السياق اللساني في كلمة “بعبده

  • كلمة بعبده تتكون من اسم مضاف (“عبد”) وضمير (“الهاء”) يعود على الله. التركيب يدل على عبد مخصص لله، وهو فرد محدد اختصه الله بكرامة معينة.
  • كلمة “عبده” تشير إلى عبد واحد، وليس إلى جماعة. أما في قصة موسى، فقد وردت العبارة: وَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا (طه: 77)، مما يشير إلى أن الإسراء هنا جماعي يشمل بني إسرائيل، وليس فرديًا.

ثانيًا: السياق الجغرافي

  • الآية تقول: مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. المسجد الحرام معروف بارتباطه بمكة. لم يُذكر في النصوص القرآنية أي رابط بين النبي موسى ومكة أو المسجد الحرام.
  •  ثالثًا: الانتقال إلى ذكر بني إسرائيل
  • بعد آية الإسراء، ينتقل النص للحديث عن بني إسرائيل، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الإسراء متعلق بالنبي موسى. القرآن كثيرًا ما يبدأ بموضوع ثم ينتقل لآخر لتحقيق غاية تعليمية أو بيان سنن الله في الأمم السابقة.
  • الآيات التالية تتحدث عن إفساد بني إسرائيل وعاقبتهم، مما يشير إلى أن الهدف هو التذكير بسلوكهم وليس تحديد شخصية صاحب الإسراء.

رابعًا: هل كلمة “مصر” تدل على بلد؟

  • في النصوص القرآنية، كلمة “مصر” تشير إلى “التمصير”، أي تأسيس مدينة أو مكان مستقر. مثال ذلك قوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْرًا (البقرة: 61)، حيث تشير إلى أي مكان مهيأ للسكن، وليس إلى بلد محدد بالاسم الحديث.
  • بناءً على هذا، لا يمكن استخدام فكرة أن موسى كان في “مصر” للإشارة إلى أن المسجد الحرام كان جزءًا من قصته. الأحداث المرتبطة بموسى كانت تدور في سياق خروج بني إسرائيل من أماكن استقرارهم، بغض النظر عن موقعها الجغرافي.

خامسًا: البعد التاريخي والنصوص المتقاطعة

  • في قصة النبي موسى، الإسراء كان مرتبطًا بخروج بني إسرائيل، وكان الهدف الهروب من الاضطهاد. النص يقول: وَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا (طه: 77)، ويشير إلى حدث محدد تلاه حدث شق البحر.
  • أما في سورة الإسراء، فالهدف مختلف تمامًا: لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا، وهو غاية روحية وتعليمية موجهة لشخص واحد.

سادسًا: دلالة كلمة “عبد” في القرآن

  • كلمة عبد مضافة إلى الله تشير إلى شخص ذي مكانة خاصة عند الله. في القرآن، عندما تأتي بصيغة عبده، فهي غالبًا تشير إلى النبي محمد:
  1. وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُمْ (الجن: 19).
  2. الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب (الكهف: 1).
  • أما الأنبياء الآخرون، فعادة ما يرد ذكرهم بالاسم أو بصيغة عبدنا، مثل: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ (ص: 17).

الخلاصة:

  1. كلمة بعبده في سورة الإسراء تشير إلى النبي محمد ، وفق السياق الجغرافي (المسجد الحرام) والسياق النصي.
  2. إسراء موسى عليه السلام مرتبط بخروج بني إسرائيل من الاضطهاد، وهو حدث جماعي مختلف عن الإسراء الفردي الذي ذكر في سورة الإسراء.
  3. ذكر بني إسرائيل بعد آية الإسراء هو انتقال موضوعي لتوضيح سنن الله مع الأمم السابقة، وليس دليلًا على أن النبي موسى هو صاحب الإسراء.
  4. تفسير “مصر” في القرآن على أنه تأسيس لمكان مستقر يعزز الفهم الصحيح للنصوص دون إسقاط المفاهيم الجغرافية الحديثة.

إذن، وفق المنهج القرآني واللساني، فإن صاحب الإسراء في سورة الإسراء هو النبي محمد ، وليس النبي موسى .