التعيين بالمناصب والإدارات وفق الكفاءات

       إنَّ اختيار الأشخاص للمناصب القيادية والإدارية ينبغي أن يكون وفق معايير دقيقة تعتمد على الكفاءة والخبرة، وليس مجرد هبة أو مجاملة لأفراد بعينهم، سواء بدافع المحاصصة أو جبر الخواطر أو المحسوبيات. فالوظائف والمناصب مسؤوليات يجب أن يتولاها من يملك المؤهلات المناسبة لتحقيق الأهداف المرجوة، بعيدًا عن المعايير الشكلية أو الدينية التي لا تتصل بمتطلبات الوظيفة بشكل مباشر.

الكفاءة معيار أساسي في التعيين

عند النظر إلى النصوص القرآنية، نجد أن يوسف عليه السلام حين طلب تولي إدارة الموارد والتموين، كان الأساس في طلبه هو الكفاءة وليس أي معيار آخر، حيث قال: قَالَ اجْجعلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (يوسف: 55). لم يقل إنه يصلي ويصوم أو يحفظ الأحكام الشرعية، بل قدم نفسه على أساس الحفظ والعلم، وهما أهم عنصرين لإدارة الموارد بفاعلية وأمانة.

كذلك نجد في قصة موسى عليه السلام أن المرأة التي رشحته للعمل لدى والدها اعتمدت على معايير القوة والأمانة، فقالت: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (القصص: 26). وهذا يبين أن تولي الوظائف والأدوار القيادية يجب أن يقوم على معايير القوة والخبرة والنزاهة وليس على مجرد حفظ النصوص الدينية أو الاطلاع على الأحكام الفقهية.

التخصص والمهارة أولى من المعايير الشكلية

 لو أخذنا مثالًا بسيطًا كقيادة الحافلات، نجد أن المعيار الأساسي في اختيار السائق هو قدرته على القيادة بمهارة وأمان، وليس عدد الأحاديث التي يحفظها أو معرفته بأحكام الطهارة. فالركاب لا تهمهم عقيدة السائق أو ثقافته الدينية بقدر ما يهمهم مدى إتقانه لمهنته وحفاظه على سلامتهم. هذا المبدأ نفسه ينطبق على جميع المناصب الإدارية والقيادية في الدولة، حيث لا يكفي أن يقدم الشخص وعودًا وشعارات، بل يجب أن يثبت جدارته من خلال العمل والإنجاز الفعلي.

إدارة الدولة بمنظومة كفاءة وليس بشعارات

 إنَّ إدارة دولة ليست مسؤولية فرد واحد بل هي عمل مؤسساتي يتطلب وجود منظومة متكاملة من الأشخاص الأكفاء الذين يتمتعون بالقوة والأمانة والحفظ والعلم، ويخضعون للمساءلة والرقابة لضمان تحقيق العدالة ونهضة المجتمع. لا يمكن بناء دولة متقدمة إذا كان تعيين المسؤولين يتم بناءً على الاعتبارات الشخصية أو الولاءات الدينية والسياسية بدلاً من الكفاءة والخبرة.

إن حصول ذلك في الدولة من تعيينات عاطفية للأفراد حسب المعرفة والمحسوبية أو كهدية لمشاركتهم في الثورة هو زرع بذرة الفساد في الحكومة التي سوف تنخر فيها مع الزمن، وبالوقت ذاته زرع بذرة الثورة في المجتمع التي سوف تنمو في تربة المجتمع في مختلف أطيافه لتكبر وتصير ثورة عارمة تطيح بالحكومة ولو بعد حين. لذلك ينبغي المحافظة على الشفافية في التعامل واستخدام الكفاءة في تنصيب الأفراد في قيادة الحكومة والمناصب، ونشر ثقافة الوعي والتفكير الحر والمراقبة والمحاسبة وسيادة القانون.

التاريخ نموذج للكفاءة كمعيار للتعيين

عند إسلام خالد بن الوليد، لم يخضع لدورات شرعية أو يدرس علوم الفقه حتى يتمكن من المشاركة في الجيش، بل تم تعيينه قائدًا عسكريًا نظرًا لخبرته الفائقة في الحروب وإستراتيجيات القتال، وليس لأنه كان حافظًا للقرآن أو ملمًا بالأحكام الفقهية. هذه المسؤوليات تركت لمن هم أهل لها، مثل أبي هريرة الذي ركّز على رواية الأحاديث.

خاتمة

إن تعيين الأشخاص في المناصب المختلفة يجب أن يكون وفق أسس واضحة تعتمد على الكفاءة والتخصص والنزاهة، بعيدًا عن الترضيات السياسية أو المحاصصة أو الاعتبارات الدينية الشكلية. فكما أن قيادة المركبات تحتاج إلى سائق محترف وليس إلى شخص متدين فقط، فإن قيادة الدول والمؤسسات تحتاج إلى كفاءات حقيقية قادرة على تحقيق التطور والعدالة وخدمة المجتمع بأفضل شكل ممكن. بهذا فقط يمكن بناء دول قوية ومستقرة قادرة على النهوض بمواطنيها وتحقيق التنمية المستدامة.