النار الباردة والنبي إبراهيم

    النار، كما نعرفها، مزيج معقد من التفاعلات الكيميائية التي تتضمن الأكسدة السريعة للوقود، مما يؤدي إلى إنتاج حرارة وضوء. ومع ذلك، هل يمكن للنار أن تحافظ على شكلها ولهبها دون أن تمتلك القدرة على الحرق؟ من الناحية العلمية، هذا الأمر ممكن إذا تم تعطيل العوامل التي تسبب الحرارة العالية أو منع انتقال الطاقة الحرارية إلى الأجسام الملامسة.

الأساس العلمي لتعطيل خاصية الحرق

يوجد عدة طرق فيزيائية وكيميائية يمكن من خلالها إضعاف أو تعطيل قدرة النار على الحرق مع الحفاظ على شكلها البصري كلُهب مضيء، ومن هذه الطرق:

  1. تقليل درجة الحرارة دون إطفاء اللهب
    • في بعض التفاعلات الكيميائية، يمكن أن تحترق المواد عند درجات حرارة منخفضة جدًا، حيث يكون التفاعل طاردًا للضوء لكنه لا يولد حرارة كافية للحرق. على سبيل المثال، بعض البلازما الباردة يمكن أن تصدر وهجًا مرئيًا دون حرارة كافية للإضرار بالأجسام.
  2. استخدام غازات خاملة للتفاعل دون إطلاق حرارة
    • في بعض البيئات، يمكن استبدال الأكسجين بغازات مثل الزينون أو الأرغون، مما يسمح بتكوين لهب غير حارق، حيث لا تتم الأكسدة بنفس الشدة التي تؤدي للحرق.
  3. التحكم في توصيل الحرارة
    • إذا تم عزل النار بطبقة من الجزيئات العازلة أو البلازما غير الحرارية، فإنها قد تحافظ على ضوئها ولكنها لن تنقل حرارة كافية لحرق المواد الملامسة.
  4. الموجات الكهرومغناطيسية كمصدر للضوء بدون حرارة مفرطة
    • يمكن توليد ضوء مشابه للهب باستخدام البلازما ذات الطاقة المنخفضة، حيث تصدر إشعاعًا مرئيًا دون الوصول إلى درجات حرارة تسبب الاحتراق.

تحليل النص القرآني: “كوني بردًا وسلاما”

ورد في قصة النبي إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم النص التالي:

“قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” (سورة الأنبياء: 69)

هنا، نلاحظ أن الخطاب موجه للنار مباشرة، والطلب كان أن تصير “بردًا” لكن دون أن تفقد هويتها كنار، لأن النص لم يقل “انطفئي”، بل بقيت النار قائمة ولكنها فقدت صفة الإحراق.

تفسير الظاهرة علميًا

إذا ربطنا ذلك بالمفاهيم الفيزيائية، فإن الآية تصف حالة تعطيل وظيفة الحرق من النار دون إطفائها. يمكن تفسير ذلك علميًا على النحو التالي:

  1. تحويل النار إلى لهب بارد غير قادر على الإحراق
    • عبر تقليل الحرارة المنبعثة إلى مستوى غير ضار.
  2. تغيير التفاعل الكيميائي بحيث يُنتج الضوء فقط دون الحرارة العالية
    • كما في بعض أنواع البلازما منخفضة الطاقة.
  3. حماية جسم إبراهيم بطبقة مانعة لنقل الحرارة
    • يمكن تخيل ذلك كمجال عازل حوله يقيه من الحرارة رغم وجود اللهب.

خاتمة

إمكانية وجود نار غير محرقة ليست مستحيلة علميًا، بل تعتمد على تعديل الظروف الفيزيائية والكيميائية للنار. وعند دراسة النص القرآني، نجد أنه يعبر عن مفهوم علمي متقدم جدًا، وهو إمكانية تعطيل الحرق من النار دون إطفائها، مما يجعلنا نعيد التفكير في طبيعة التفاعلات الكيميائية والفيزيائية التي نعتبرها ثابتة.