مفهوم اسم الله “الجبار” و”المتكبر”

   أسماء الله توقيفية ينبغي أن تذكر في القرءان بصيغة اسم، بمعنى لا يصح اقتراح اسم لله من العقل كاستحسان له، أو اشتقاق من صيغة فعل، وفهم أسماء الله في القرءان الكريم يتطلب تحليلًا لسانياً دقيقاً يراعي البنية الصوتية والدلالية للكلمات، دون الاعتماد على التفاسير التراثية التي قد تفرض معاني بعيدة عن النص الأصلي. في هذه الدراسة، سنقوم بتحليل اسمَيْ “الجبار” و”المتكبر” من خلال العودة إلى الجذر اللِّسَاني لكل منهما، واستخدام النصوص القرءانية لفهم دلالتهما بدقة.

أولًا: التحليل اللساني لكلمة “الجبار”

الجذر اللساني والتكوين الصوتي

يتكوّن اسم “الجبار” من الجذر (ج- ب- ر)، حيث يمكن تحليل الأصوات كالتالي:

  • الجيم (ج): تدل على حركة جهد وقوة.
  • الباء (ب): تدل على جمع وضم مستقر.
  • الراء (ر): تدل على التكرار والاستمرار في الحركة.

بناءً على هذه الدلالات، فإن “جبر” يشير إلى قوة مجتمعة ومستقرة تتكرر في تأثيرها، ويمكن أن تستخدم للخير أو للشر وفق السياق. فالقرءان حين وصف الله بـ”الجبار”، وهو الحي القيوم والحكيم العليم الرحيم، كان ذلك دالًا على استخدام قوته في الخير والصلاح، كما في مفهوم جبر الخواطر أو جبر الساق المكسورة. أما عند وصف البشر بـ”الجبار”، فقد يكون للدلالة على استخدام القوة في القهر والظلم.

الاستخدام القرءاني

ورد اسم “الجبار” في القرءان الكريم في سياقات مختلفة، ومنها:

﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ (مريم 32)

في هذا السياق، لا تعني “الجبار” الإصلاح بحد ذاته، وإنما تعني أنه لم يستخدم قوته في الشر والفساد، بل كان خاضعًا لطاعة الله.

أما في قوله تعالى:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ (الحشر 23)

فإن “الجبار” هنا يشير إلى القوة المسيطرة والموجهة لتحقيق النظام والتوازن في الكون والمحافظة على صلاحه.

ثانيًا: التحليل اللساني لكلمة “المتكبر”

الجذر اللساني والتكوين الصوتي

اسم “المتكبر” مشتق من الفعل الرباعي تَكَبَّرَ، ويتكوّن من:

  • التاء (ت): تدل على دفع خفيف أو بدء دفع.
  • الكاف (ك): تدل على ضغط خفيف.
  • الباء (ب): تدل على الضم والجمع المستقر.
  • الراء (ر): تدل على التكرار والاستمرارية.

بالتالي، فإن “تَكَبَّر” لا يتعلق بالحجم المادي، بل يعبر عن العلو والاستعلاء من حيث المكانة والقيمة والتنزه عن النقائص.

الاستخدام القرءاني

وردت كلمة “المتكبر” في مواضع مختلفة من القرءان الكريم، ومنها:

﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف 146)

هنا، يشير الفعل “يتكبرون” إلى اتخاذ موقف من العلو بدون استحقاق، أي أنه فعل سلبي مرتبط بالبشر.

أما في وصف الله تعالى:

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ… الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ﴾ (الحشر 23)

فـ “المتكبر” هنا لا يحمل معنى التعالي الفارغ، بل يشير إلى السمو والاستحقاق الذاتي للعظمة للحي القيوم.

ثالثًا: الفرق بين “الجبار” و”المتكبر” في السياق القرءاني

من خلال تحليل الاستخدامات القرءانية، يمكن التمييز بينهما على النحو التالي:

  1. “الجبار”: يتعلق بمفهوم القوة المستقرة المتكررة، التي يمكن أن تُستخدم للخير أو الشر، وحين تُنسب إلى الله فهي تعني إحكام النظام والتوازن.
  2. “المتكبر”: يشير إلى العظمة الحقيقية والاستعلاء بالحق والتنزه عن النقائص، وليس مجرد التكبّر بمعناه السلبي.

وبذلك، فإن “الجبار” يركّز على القوة المسيطرة المانحة، بينما “المتكبر” يركّز على السمو والاستحقاق الذاتي للعظمة والوحدانية والتنزه.

  الخاتمة

    من خلال التحليل اللساني والقرءاني، يتضح أن اسمَيْ “الجبار” و”المتكبر” يحملان دلالات أعمق من مجرد القوة والتكبر بمعناهما التقليدي. فـ “الجبار” يعبر عن القوة المحكمة التي تتكرر تأثيراتها، ويمكن أن تُستخدم للخير أو الشر، وحين يُنسب لله فإنه يدل على النظام والتوازن. أما “المتكبر” فيرتبط بالعظمة والاستعلاء المستحق. بهذه الطريقة، يقدم القرءان صورة دقيقة عن اسماء الله تتسم بالاتساق التام بين القوة والحكمة. والعلم والرحمة.