مفهوم كلمة ولأمة مؤمنة
إن دراسة مفهوم معيّن في القرآن الكريم يجب أن يعتمد على منهجية أصولية فكرية ترتكز على منظومة النصوص القرآنية، وعلى الثوابت واليقين الذي لا يتغير، منها حرية الإنسان وتحريم الرق والعبودية بكل أشكالها لأنها ظلم وعدوان على كرامة الإنسان وحريته، يستوجب هذا المنهج أن يُفهم كل مفهوم قرآني ضمن سياقه ومنظومته التي تحكمه؛ فالمفهوم الذي ندرسه هنا لا يتعلق بمفهوم العبادة لله.
ويجب أن ننتبه إلى أن المعاجم والتفاسير والفقه عندما تناولوا هذه الكلمات تأثروا بالوضع التاريخي والاجتماعي السائد حينئذ من الرق والعبودية وظنوا أن القرءان يقصد ذلك وفاتهم أن القرءان يحرم الرق والعبودية بكل أشكالها فهي ليست معنية بدلالة هذه الكلمات.
تركز هذه الدراسة على كلمة “أمة”، وجمعها “إماء”، وهي تُطلق على المرأة التابعة اجتماعياً واقتصادياً لغيرها، كما يتضح في النص القرآني. وسنستعرض النص كاملًا، ونحلل الكلمة من حيث جذورها وبنيتها اللسانية، مع المقارنة بين استخدامها في صورة “أمة” (بدون تشديد) وبين استخدامها في صورة “أمّة” (بتشديد الميم) في سياقات أخرى داخل المنظومة القرآنية.
- النص القرآني محل الدراسة
“وَلاَ تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ.” البقرة 221
- التحليل اللساني لمفهوم “أمة”
يُستخرج من الكلمة “أمة” دلالةً ترتبط بالتابعية الاجتماعية والاقتصادية؛ فهي تُطلق على المرأة التي تكون خاضعة لنظام اجتماعي واقتصادي من قبل غيرها يُعيّن لها دورًا محددًا في الحياة اليومية مثل العمل والخدمة.
الجذر والاشتقاق:
تُشتق كلمة “أمة” من الجذر (أ م م)؛ ويظهر في استخدامها المفرد “أمة” وجمعها “إماء”، مما يشير إلى حالة فردية تتعلق بتبعية المرأة لغيرها في إطار اجتماعي واقتصادي.
- الاستخدام في النص:
“لأمةٌ مؤمنة”، حيث تُقارن حالة المرأة المؤمنة التابعة بتلك التي لا تنتمي إلى النظام القيمي المُتبَنّى في المجتمع الإسلامي. - المقارنة بين “أمة” و”أمّة” (بتشديد الميم):
تُستخدم صيغة “أمّة” (بتشديد الميم) في مواضع أخرى للدلالة على جماعة شاملة أو على الأمة الإسلامية ككل، مما يُبرز بُعداً جمعياً ومؤسساً لروح الوحدة. أما في الاستخدام الذي ندرسه هنا، فإن صيغة “أمة” (بدون تشديد) تُركّز على الجانب الفردي، حيث تُنسب إلى المرأة التي تحتل موقع التبعية الاجتماعية والاقتصادية في نظام معين. - وكلمة عبد في هذا السياق لاعلاقة له بمفهوم العبادة لله ، وإنما علاقته بالمفهوم اللساني والاجتماعي بمعنى التابعية والخضوع لنظام اجتماعي واقتصادي
- الإطار الفكري واليقيني في الدراسة
تستند هذه الدراسة إلى منظومة قرآنية ثابتة تؤكد على حرية الإنسان وتحرم الرق والعبودية بجميع أشكالها. وضمن هذا الإطار، يتم قراءة كلمة “أمة” على أنها تعبر عن تبعية اجتماعية واقتصادية تُحدد موقع المرأة في النظام الاجتماعي دون أن تخلط بين المفهوم وبين الجماعة أو الأمة الشاملة.
- الاستنتاج
يكشف التحليل اللساني لكلمة “أمة” في الآية الكريمة (البقرة: 221) أن الكلمة تُستخدم للإشارة إلى المرأة التابعة اجتماعياً واقتصادياً، أي تلك التي تنتمي إلى نظام معيّن تحدده العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. كما أن التمييز بين الصيغة المفردة “أمة” (بدون تشديد) والصيغة الجماعية “أمّة” (بتشديد الميم) يظهر أن القرآن يراعي الفروق الدقيقة في المفاهيم، مع الالتزام بمبادئ الحرية والعدالة، ومنع أي تجاوز يُفسر التبعية على أنها رق أو استعباد.
بهذا يتضح أن مفهوم “أمة وعبد” كما ورد في النص القرآني يستند إلى التابعية والخضوع لنظام اجتماعي واقتصادي يضمن حقوق الفرد، متماشياً مع اليقين القرآني الذي يحرم الرق والعبودية في جميع أشكالها، ويصون حرية الإنسان وكرامته.
اضف تعليقا