صناعة المقامات والمزارات وسيلة لتغييب العقول واستغلال الشعوب

    تُعد صناعة المقامات والمزارات للأموات، سواء كانت حقيقية أو وهمية، واحدة من الوسائل الفعالة التي استخدمها البعض عبر التاريخ لتوجيه المجتمعات، والتحكم في سلوكياتها، واستغلالها ماديًا وسياسيًا. ورغم أن الأصل في هذه المزارات أنها أماكن تذكارية للعلماء أو الشخصيات الدينية، إلا أن بعضها لا أساس له من الصحة، بل هو مجرد اختلاق مدروس لخلق رموز تُستخدم في التوجيه والسيطرة.

كيف تُصنع المزارات الوهمية؟

  1. الترويج للأسطورة: تبدأ العملية بصناعة قصة مشوقة حول شخصية يُقال إنها كانت ذات كرامات أو أنها صاحبة “بركة”، حتى لو لم يكن هناك أي دليل تاريخي على وجودها أصلاً.
  2. التلاعب بالموروث الشعبي: يتم استغلال المعتقدات التقليدية وقصص الكرامات والخرافات لخلق قدسية حول الضريح، مما يدفع البسطاء إلى تصديق الأسطورة.
  3. التزيين والطقوس: يتم بناء ضريح مزخرف مزود بأضواء وزينة، وتُنظم حوله طقوس خاصة مثل تقديم النذور والزيارات الدورية، مما يعزز من وهم القدسية.
  4. الدعاية والترويج: وسائل الإعلام وبعض رجال الدين المرتبطين بمصالح معينة يروجون لهذا المقام، ويدّعون أن من يزوره سينال “البركة”، أو أن طلباته ستُستجاب، مما يدفع الناس إلى التوافد والإنفاق بسخاء.
  5. الاستغلال السياسي: بعد أن يتم ترسيخ الاعتقاد الشعبي بالمقام، يصير ورقة رابحة في السياسة، حيث يمكن استخدامه كمبرر للتدخلات الخارجية أو للسيطرة على مناطق معينة تحت ذريعة “حماية المراقد” وتأسيس جماعات حوله لحمايته ويتم عسكرتها .

كيف يتم استغلال هذه المزارات سياسيًا؟

  • تبرير التدخلات الأجنبية: في بعض الدول، استُخدمت المراقد كذريعة لتبرير التدخل العسكري بحجة “حمايتها”، رغم أن الهدف الحقيقي هو فرض السيطرة الجيوسياسية.
  • تحويل الناس إلى أتباع مطيعين: عندما يصير الاعتقاد بهذه الأماكن جزءًا من العقيدة الشعبية، يكون التحكم في الجماهير أسهل، حيث يتم توجيههم لدعم سياسات معينة أو معاداة جهات أخرى دون وعي حقيقي.
  • استغلالها في الاقتصاد: تدر هذه المزارات ملايين الدولارات سنويًا من النذور والتبرعات، مما يجعلها مصدر دخل ضخم لبعض الجهات التي تدعي خدمتها.

         ما الحل؟

  1. التوعية العقلانية: يجب نشر الوعي بشكل شامل بأن الإنسان، مهما كانت مكانته، بعد موته يصير ترابًا، ولا يملك نفعًا ولا ضرًا، وبالتالي فإن كل الطقوس المرتبطة به ليست سوى خرافات.
  2. نشر الفكر العلمي: التركيز على تعليم الناس أساسيات التفكير النقدي والمنطقي، وربط الظواهر بالحقائق العلمية بدلًا من الأساطير.
  3. فضح الأكاذيب بالبحث التاريخي: نشر بحوث تاريخية موثوقة تثبت زيف الكثير من هذه المراقد، وبيان كيف يتم اختلاقها عبر الزمن.
  4. تشجيع القوانين ضد الاحتيال الديني: فرض قوانين تمنع استغلال الدين لجمع الأموال بغير حق، وتجريم عمليات الترويج للخرافات التي تستغل البسطاء.
  5. استبدال الثقافة الدينية المغلوطة بثقافة مسؤولة: بدلاً من تضييع الوقت والمال في زيارات لا تفيد، يمكن تشجيع الناس على فعل الخير الحقيقي كالتصدق على المحتاجين أو دعم المشاريع التنموية.

الخاتمة

إن انتشار المقامات الوهمية ليس مجرد خطأ عابر، بل هو جزء من منظومة خداع متعمدة، تهدف إلى تحويل الناس إلى قطعان تُقاد بسهولة، دون أن تدرك أنها تُستغل سياسيًا واقتصاديًا. والحل يبدأ من الوعي، فكلما أدرك الناس أن هذه المزارات ليست سوى خدعة، كلما صار من الصعب استغلالهم بهذه الطريقة.