أهمية اللُحمة الوطنية في مواجهة التحديات الداخلية و الخارجية
تشكل اللُحمة الوطنية أساس استقرار المجتمعات وتقدمها، فهي الدرع الحصين الذي يحمي الوطن من الأخطار الخارجية والداخلية على حد سواء. في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه الدول، يصير تعزيز الوحدة الوطنية أمرًا بالغ الأهمية لضمان الأمن والتنمية المستدامة. إن ترسيخ قيم التكاتف بين أفراد المجتمع، بصرف النظر عن اختلافاتهم العرقية أو الطائفية أو مفهوم الأكثرية والأقلية، هو الضامن الأساسي لنهضة الأمم وحماية مصالحها العُليا.
وحدة المصير وحتمية التكاتف
من القصص الرمزية التي تعكس أهمية الوحدة في مواجهة الأخطار، قصة الثيران الثلاثة والأسد. تحكي القصة عن ثلاثة ثيران كانوا يعيشون في مرجٍ واسع، أحدهم أبيض، والثاني أسود، والثالث بني. كانت هذه الثيران تعيش في تناغم وتعاون، ما جعلها عصية على أي خطر خارجي. غير أن الأسد، الذي كان يطمع في افتراسها، لجأ إلى سياسة “فرق تسد”، حيث اقترب من الثور الأسود والبني وقال لهما إن الثور الأبيض هو الوحيد الذي يلفت الأنظار ويمكن أن يجلب لهما المشاكل، وعرض عليهما عدم التدخل إن قرر افتراسه. وافقا بدافع الأنانية وقصر النظر، فتمكن الأسد من قتل الثور الأبيض. بعد فترة، عاد الأسد للثور البني وقال له إن الثور الأسود هو الأقوى بينهما، وإنه قد يشكل خطرًا عليه مستقبلاً، فوافق على التخلي عنه، ليجد نفسه وحيدًا في النهاية، وسرعان ما وقع فريسة سهلة للأسد.
تعكس هذه القصة بوضوح كيف يؤدي الانقسام والتفريط في التضامن إلى انهيار الجماعة وسقوطها ضحية لأعدائها. العدو الخارجي، مهما بدا وديعًا أو أبدى رغبة في حماية طرف على حساب آخر، لا يسعى إلا لتحقيق مصالحه الخاصة، وغالبًا ما يستخدم الخلافات الداخلية كأداة لإضعاف المجتمعات.
أولوية الوطن وتأجيل الخلافات
إن أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها من هذه القصة، ومن تجارب التاريخ السياسي الحديث، هو أن الأمن الوطني ووحدة الوطن يجب أن يكونا فوق كل النزاعات الجزئية. فمهما بلغت الخلافات بين مكونات المجتمع، ينبغي أن تكون هناك أولويات واضحة، يأتي في مقدمتها الحفاظ على استقرار الدولة وتماسكها، لأن أي انهيار في الوحدة الوطنية يؤدي إلى تدهور الأمن وانهيار المؤسسات، مما يسهل التدخلات الخارجية ويجعل المجتمع عرضة للفوضى والصراعات الدموية.
إن تأجيل الخلافات الجزئية إلى ما بعد تحقيق الأمن والاستقرار هو نهج عقلاني يتبناه القادة الحكماء، فالاستقرار يوفر بيئة مناسبة للحوار والتفاهم، ويسمح بإيجاد حلول عادلة ومتوازنة للمشاكل الداخلية. أما التصلب في المواقف ورفض التنازل للصالح العام، فإنه يؤدي إلى مزيد من الانقسام، مما يسهل على الأعداء استغلال الوضع لتحقيق أهدافهم.
الحوار والتفاهم كأدوات لحل الخلافات
لا يمكن لأي مجتمع أن يكون خاليًا من الاختلافات في الرؤى والتوجهات، لكن التحدي يكمن في كيفية إدارة هذه الاختلافات. الحوار والتفاهم والتنازل المتبادل هي الأدوات التي يجب أن تسود في أي مجتمع يسعى للحفاظ على وحدته. إن التصلب في وجهات النظر ورفض الاستماع إلى الآخر يؤدي إلى خلق بيئة مشحونة بالصراعات، الأمر الذي يهدد النسيج الوطني ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية.
إن إعلاء مصلحة الوطن فوق المصالح الضيقة هو الطريق الأوحد لضمان أمنه واستقراره، فلا يمكن أن يتقدم وطن يعيش في حالة من التمزق والتشرذم. المسؤولية تقع على عاتق جميع أبناء الوطن، سواء كانوا أفرادًا عاديين أو قادة سياسيين أو فاعلين اجتماعيين، لترسيخ ثقافة التعارف والتكاتف والوقوف صفًا واحدًا في وجه التحديات.
الحوار بين أبناء الوطن ينبغي أن يكون تحت سقف مفهوم الوطنية مع إبعاد كليا مفهوم الطائفية والعرقية، والأكثرية والأقلية، والامتيازات و المحاصصة، أو نقاش الجزئيات أو إقحام تفاصيل من المفاهيم أو العادات في الدستور…الخ، وينبغي أن يكون وفق سلم الأولويات والمصلحة للوطن، وتبني مفهوم الأصلح والمناسب والأكفأ بصرف النظر عن طائفية أو عرق الشخص، لتكون الدولة؛ دولة مؤسسات ويسود مفهوم المجتمع المدني.
خاتمة
إن الوحدة الوطنية ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية لأي مجتمع يسعى للحفاظ على استقراره ومستقبله. يجب أن ندرك أن أي محاولة لزرع الفتنة بين أبناء الوطن لا تصب إلا في مصلحة الأعداء. علينا أن نستلهم العبر من قصة الثيران الثلاثة وندرك أن التضامن هو السبيل الوحيد لحماية الوطن من الأخطار المحدقة به. بالحوار والتعارف والتفاهم والتنازل المتبادل والمشاركة، نستطيع تجاوز الخلافات وبناء مستقبل آمن ومزدهر لجميع أبنائه.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
{وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ … وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10
اضف تعليقا