مفهوم الحرام والمنهي عنه والفرق بينهما

      يُعد فهم مفهومي “الحرام” و”المنهي عنه” من الأمور الجوهرية في تحديد الأحكام القرآنية وضبط دلالات الأفعال في منظومة القرآن. ولتحقيق هذا الفهم، لابد من الرجوع إلى الدلالات اللسانية لكلا المصطلحين، ومن ثم دراستهما ضمن سياق النصوص القرآنية.

أولًا: التحليل اللساني لمفهومي الحرام والمنهي عنه

  • تحليل أصوات كلمة “حرم”:
    • “ح”: حركة انتقالية مؤرجحة منتظمة أو سعة.
    • “ر”: حركة مكررة.
    • “م”: حركة مجتمعة بضم متصل.
    • الجذر “حرم” يدل على منع يتسم بالتقييد المستمر، وهو يتضمن سعة في الامتناع مع تكرار الالتزام به.
  • تحليل أصوات كلمة “نهى”:
    • “ن”: حركة مستورة.
    • “ه”: حركة مؤرجحة بخفة بعمق.
    • “ى”: حركة ممتدة زمانيًا مع إثارة.
    • الجذر “نهى” يعبر عن منع فيه ستر وتنبيه ممتد زمنيًا، وهو توجيه يتطلب استمرارية الانتباه دون أن يكون تحريمًا مطلقًا.

ثانيًا: الفرق بين الحرام والمنهي عنه من منظور قرآني

  1. الحرام دائمًا منهي عنه، ولكن ليس كل منهي عنه محرمًا:
    • يوضح قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90) أن النهي يشمل المحرم وغيره، لكنه لا يعني بالضرورة أن كل ما نُهي عنه هو محرم.
  2. الحرام يأتي بصيغة تحريم عيني واضحة في النص القرآني:
    • مثال على التحريم الصريح: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ…} (المائدة: 3)، حيث جاء الفعل “حُرِّمَ” ليدل على تحريم مطلق.
    • مثال آخر: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275)، مما يدل على عدم جواز التعامل به بأي حال.
  3. المنهي عنه يأتي بصيغة نهي عن الشيء دون ذكر لفظ التحريم:
    • مثال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} (البقرة: 222)، هنا نجد النهي عن مقاربة النساء في المحيض، ولكنه لم يصرح بتحريمه.
    • مثال آخر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} (المائدة: 90)، حيث أُمر بالاجتناب دون التصريح بالتحريم المطلق في ذات الآية.

ثالثًا: ضبط مفهوم المنهي عنه

  • المنهي عنه فعل ينبغي تركه، لكن لا يترتب على فعله عقوبة أخروية، وإنما يُعاقب بآثاره وما يترتب عليه من أذى وفساد للإنسان.
  • المنهي عنه يتسم بكونه يسبب ضررًا أو يؤدي إلى خلل في المجتمع، لكنه ليس محرمًا تحريمًا مطلقًا كالحرام الصريح.

رابعًا: تثبيت القاعدة الشرعية في الأفعال

  • الأصل في الأفعال الإباحة، إلا ما ورد في النص القرآني تحريمه عينًا أو النهي عنه:
    • دليل ذلك: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (الأعراف: 32)، حيث يُنكر القرآن التحريم بغير نص صريح.
  • الحرام والمنهي عنه مقيدان بالنص، بينما الحلال مطلق إلا إذا قُيِّد بعرف المجتمع أو نظامه:
    • لا يجوز تحريم شيء لم يحرمه الله في القرآن، ولا يجوز إلزام الناس بفعل معين إلا إذا ورد في النص القرآني تقييد له.
    • الحلال الاجتماعي قد يتغير حسب العرف والنظام الاجتماعي، لكن لا يجوز اعتباره تحريمًا شرعيًا.

خاتمة:

بناءً على ما سبق، يمكن الاستنتاج أن الحرام في القرآن يجب أن يُنص عليه صراحة بلفظ “حُرِّمَ”، في حين أن المنهي عنه قد يكون فعلًا يُطلب تركه دون أن يصل إلى درجة التحريم المطلق. الأصل في الأفعال الحل، ولا يحق لأي سلطة أو عرف أن يحرم أمرًا إلا بنص قرآني واضح. كما أن الحلال يبقى مطلقًا ما لم يفرض النظام الاجتماعي أو العرف قيدًا على تطبيقه.