هل الحرب والقتال غاية بذاته

       لطالما كانت الحروب والصراعات المسلحة جزءًا من التاريخ البشري، حيث استخدمت الدول والجماعات القوة العسكرية لتحقيق أهدافها. لكن يبقى السؤال الأهم: هل الحرب والقتال غاية بحد ذاته؟ أم أنه وسيلة اضطرارية لا ينبغي اللجوء إليها إلا في حالات الضرورة القصوى؟ في هذا المقال، سنناقش أثر الحرب والقتال على المجتمعات، ونؤكد أن الحوار والتفاهم السياسي هما الطريق الأمثل لحل النزاعات وتجنب الدمار والخسائر.

الحرب والقتال: خسارة محققة لجميع الأطراف

إن الحرب لا تأتي إلا بالدمار، فهي تتسبب في فقدان الحياة لكثير من الناس من الطرفين، وتدمير البنية التحتية، واستنزاف الموارد الاقتصادية، وخلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. حتى الطرف الذي يحقق الانتصار العسكري، غالبًا ما يجد نفسه منهكًا اقتصاديًا ومعنويًا نتيجة تبعات الحرب. فالتاريخ يثبت أن الصراعات المسلحة نادرًا ما تحقق مكاسب دائمة، بل تترك آثارًا طويلة الأمد من الدمار والانقسام.

الحلول الدبلوماسية: الطريق الأكثر حكمة

إن الحوار والتفاوض هما الأدوات الأساسية التي يجب أن تعتمدها الحكومات الواعية سياسيًا لتجنب الانزلاق في النزاعات المسلحة. فالتفاهم السياسي الذي يقوم على تقديم التنازلات المتبادلة يمكن أن يحقق نتائج أكثر استدامة وعدالة، مقارنة باستخدام القوة العسكرية. الحرب قد تكون حتمية في بعض الحالات، لكنها يجب أن تظل الملاذ الأخير، أي بمثابة “آخر الطب الكي”، حين تفشل جميع الوسائل السلمية.

مسؤولية الحكومات في تجنب الحرب

تقع على عاتق الحكومات مسؤولية كبرى في تجنيب دولها ويلات الحرب، وذلك من خلال:

  1. تعزيز الدبلوماسية: عبر بناء قنوات اتصال دائمة مع الأطراف المتنازعة والسعي لحل المشاكل بالوسائل السلمية.
  2. تقليل احتمالات التصعيد: من خلال تجنب الخطاب العدائي والاستفزازي، والعمل على بناء الثقة بين الدول والشعوب.
  3. الاحتكام للقانون الدولي: الذي يوفر إطارًا قانونيًا لحل النزاعات بطرق سلمية.
  4. الحد من عسكرة النزاعات: عبر تجنب التورط في سباقات التسلح التي تؤدي إلى تفاقم التوترات.

ضعف القدرة العسكرية يمنع الحكومات من اتخاذ قرار الحرب

من المهم أن تدرك الحكومات ذات القدرات العسكرية الضعيفة أن الانجرار إلى الحرب نتيجة الاستفزاز من قبل دولة ظالمة معتدية قوية قد يكون خيارًا كارثيًا يؤدي إلى خسارة محققة. فالدولة التي لا تمتلك القوة العسكرية الكافية للدفاع عن أراضيها لا ينبغي أن تندفع لمواجهة عسكرية غير متكافئة، حتى لو تعرضت لاعتداء أو قصف أو احتلال جزئي، لأن قرار الحرب بهذه الحالة هو انتحار وتدمير للوطن،  في مثل هذه الحالات، ينبغي على الحكومة أن تتبنى استراتيجية ضبط النفس والصبر، وأن تبحث عن وسائل أخرى لحماية مصالحها، مثل:

  1. الاستعانة بدول حليفة: لتعزيز موقفها السياسي والدفاعي عبر التحالفات الدولية.
  2. إثارة الرأي العام الدولي: لكسب الدعم العالمي والضغط على المعتدي من خلال الوسائل الدبلوماسية والإعلامية.
  3. تعزيز الدفاعات الداخلية: عبر تحسين القدرات الدفاعية غير المباشرة، مثل المقاومة الشعبية والدفاعات السيبرانية.
  4. العمل على تحقيق التماسك الوطني: حيث ينبغي على الحكومة الضعيفة التي تتعرض للاستفزاز والاعتداء أن تسعى جاهدة لترسيخ الوحدة الوطنية، بحيث تلتف جميع قوى الشعب حول الحكومة لحمايتها من أي محاولات لزعزعة استقرارها. يجب منع الانقسامات الطائفية أو العرقية التي قد يستغلها العدو لتقويض الحكومة وإضعاف الموقف الوطني.
  5. تعزيز مفهوم المواطنة: من خلال مشاركة جميع فئات المجتمع في العملية السياسية والحكومية، بحيث يكون مفهوم المواطنة قيمة عليا لا يمكن التشكيك بها، مما يجعل جميع المواطنين يشعرون بأنهم شركاء في الوطن ومسؤولون عن الدفاع عنه.
  6. ولذلك على الشعب أن يعي ذلك ولا يصر ويطلب من حكومته إعلان الحرب والقتال من منطلق عاطفي والخروج  بمظاهرات تحرج الحكومة وتدفعها للانتحار بقبول الحرب والقتال، دون العلم بمدى جاهزية الحكومة واستعدادها عسكرياً للحرب، لأن الحرب ليس هدفاً بذاتها، وإنما هي احد الحلول النهائية في حال انتفى إمكانية التفاوض والحوار، وعلى من يختار الحرب ينبغي أن يعلم بنتائجها مسبقاً وما يترتب عليها من مصالح أو مفاسد، ويختار أهون الضررين ، وجلب المنفعة مقدم على الضرر والفساد والهلاك، وندفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، ولذلك ينبغي أن يعرف كل طرف قدر نفسه وقوته.

ضرورة الحد من القتال إذا صار أمرًا واقعًا

في حال فشل جميع محاولات التفاوض ولجأت دولة ما للحرب نتيجة اعتداء خارجي، فإنه ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي هو تقليل الخسائر إلى الحد الأدنى، والسعي بسرعة للعودة إلى طاولة الحوار والتفاوض. لأن أي نزاع مهما طال، سينتهي في نهاية المطاف باتفاق سياسي، مما يؤكد أن الخيار الأفضل منذ البداية هو تجنب الحرب قدر الإمكان والسعي للحلول السلمية المبكرة.

الخاتمة

الحرب ليست غاية، بل هي وسيلة اضطرارية لا يتم اللجوء إليها إلا في حالات استثنائية. الحكومات الواعية هي التي تدرك أن الحوار والتفاهم السياسي هما السبيل الأمثل لحل النزاعات، وأن الدمار والخسائر التي تخلفها الحروب تجعلها خيارًا مكلفًا يجب تجنبه ما أمكن. لذلك، ينبغي على الدول العمل بجد لإيجاد حلول سلمية والتفاوض منذ البداية، قبل أن يتفاقم الوضع ويؤدي إلى كوارث إنسانية وسياسية كان من الممكن تجنبها.