العمل المرتزق المسلح والإرهاب والمعارضة الفئوية

    في ظل تعقيدات المشهد السياسي والاجتماعي المعاصر، تبرز ظواهر مُقلقة تهدد تماسك المجتمعات وتقوّض مسارات النهضة الوطنية، أبرزها: العمل المرتزق المسلح، والإرهاب، والمعارضة الفئوية. هذه الجماعات، رغم اختلاف أشكالها، تتشارك في سِمَة جوهرية: افتقادها لمشروع وطني أو نهضوي، وارتهانها لتمويل خارجي يتحكم في أجنداتها. هذه الكيانات لا تُعتبر فاعلًا سياسيًا شرعيًا، بل أدوات تُستخدم لخدمة مصالح خارجية، تعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وإعاقة التقدم الوطني، معتمدَةً على التمويل المادي كعامل رئيسي لاستمراريتها.

  1. العمل المرتزق المسلح: المال فوق الولاء

يُعرّف المرتزقة عادةً كمقاتلين يُشاركون في نزاعات دون انتماء مبدئي، بل بدافع مادي بحت. تشير دراسات كـ “تقرير الأمم المتحدة حول المرتزقة (2020)” إلى أن هذه الجماعات تنتشر في المناطق الهشة، حيث تُستغل الحروب الأهلية لتحقيق مكاسب خارجية. على سبيل المثال، في ليبيا بعد 2011، تحوّل الصراع إلى سوق للمرتزقة الدوليين (من روسيا وتركيا وغيرها)، مما عمّق الأزمة بدلًا من حلها.
هذه الجماعات لا تُقدم رؤية لبناء الدولة، بل تُحوّل الصراع إلى “اقتصاد حرب” يُغذي الفوضى. الباحث “ديفيد كيلو” في كتابه “اقتصاديات النزاع” (2018) يرى أن استمراريتها يعتمد على تدفق الأموال، فإذا انقطع التمويل، تبحث عن ممولين جدد أو تتحول إلى أنشطة إجرامية كالتهريب، مما يؤكد عدم ارتباطها بأي مشروع سياسي.

  1. الإرهاب: أداة تفكيك اجتماعي بغطاء أيديولوجي

الإرهاب، خلافًا للحركات التحررية، يُمارس العنف العشوائي لزرع الرعب وزعزعة الاستقرار، دون طرح بديلٍ بنّاء. تُظهر دراسة “معهد بروكينغز” (2019) أن الجماعات الإرهابية مثل داعش أو القاعدة تستخدم الخطاب الديني كواجهة، لكنها تعتمد في تمويلها على شبكات خارجية (كتهريب النفط أو التبرعات المشبوهة)، وتستهدف تقويض مؤسسات الدولة.
في العراق وسوريا، مثّلت هجمات داعش تدميرًا ممنهجًا للبنى التحتية والاجتماعية، دون أي إستراتيجية لإعادة الإعمار. بل إن تحالفاتها المتغيرة (كعلاقتها المتبادلة مع جهات إقليمية في مراحل مختلفة) تكشف هشاشة الأيديولوجية المُرتهَنة للمصالح المالية.

  1. المعارضة الفئوية: الاستقطاب كصناعة

ليست كل معارضة مذمومة، فالمعارضة البنّاءة ضرورة ديمقراطية. لكن “المعارضة الفئوية” تُعرّف هنا بالجماعات التي تستغل الانقسامات العرقية أو الطائفية لخلق أزمات، بدعم خارجي. وفقًا لـ “منظمة الشفافية الدولية”، تُموّل بعض هذه الجماعات عبر قنوات غير شفافة لتحقيق أجندات خارجية، كما في حالة بعض الجماعات الانفصالية في إفريقيا التي تدعمها شركات متعددة الجنسيات لضرب سيادة الدول.
هذه الجماعات تفتقر لبرنامج إصلاحي متكامل، بل تركّز على خطاب تحريضي يغذي الكراهية. في اليمن، مثلًا، نجد الحوثيين أداة بيد إيران، لتنفيذ أدندة إيرانية تحت غطاء  شيعي و وفقًا لتدفق الأموال، لا وفقًا لمصالح الشعب.

  1. الآثار الاجتماعية والسياسية: تفكيك الوطن لصالح الخارج

الخيط المشترك بين هذه الظواهر هو تحويل الوطن إلى ساحة لصراعات بالوكالة، مما يؤدي إلى:

  • تدمير التماسك الاجتماعي: عبر تعميق الانقسامات الهوياتية.
  • إعاقة التنمية: بتكريس الفوضى التي تمنع الاستثمارات العامة.
  • إضعاف السيادة الوطنية: عبر جعل القرار الداخلي خاضعًا لشروط الممولين.
    كما يلاحظ “نعوم تشومسكي” في تحليله للسياسة الخارجية الأمريكية، أن دعم واشنطن لجماعات معارضة في أمريكا اللاتينية خلال الحرب الباردة كان يهدف لضرب الحكومات المناهضة لها، دون اعتبار لمصالح تلك الشعوب.

الخاتمة

 نحو تحصين المشروع الوطني

الخطر الأكبر لهذه الجماعات هو تحويل الوطن إلى سلعة قابلة للتفكيك. مواجهتها تتطلب:

  1. تعزيز الشفافية: في تتبع التمويل الأجنبي للمجموعات السياسية.
  2. بناء مؤسسات وطنية قوية: قادرة على استيعاب المطالب الاجتماعية دون انفجار.
  3. التوعية بمخاطر الخطاب الانقسامي: عبر التعليم والإعلام.
    فقط بتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، يمكن تجفيف المستنقع الذي تُنبت فيه هذه الظواهر.