لماذا يتحول بعض المسلمين إلى الإلحاد والطعن في الدين الإسلامي
لماذا بعض المسلمين يلحدون؟
ظاهرة الإلحاد في المجتمعات الإسلامية قد أخذت مساحة واسعة من النقاش في الآونة الأخيرة. إن تطور هذه الظاهرة لا يرتبط فقط بالتحولات الفكرية والشخصية التي قد يمر بها الأفراد، ولكن أيضًا بالتصورات الثقافية، الاجتماعية، والدينية التي شكلت عقول الكثيرين. في هذه المحاضرة، سنحاول تقديم تحليلاً منطقيًا ونقديًا لهذه الظاهرة، مع التركيز على كيفية التعامل مع المعتقدات الدينية بشكل منطقي يظل فيه الإيمان ثابتًا بصرف النظر عن الطعن في النصوص الدينية.
أولًا: فهم الإيمان الإسلامي الأساسي بعيدًا عن الكتب السماوية
بدأ دين الإسلام مع بدء الوعي الإنساني حيث لم يكن أنبياء ولا كتب إلهية ، وذلك من خلال تفاعل الإنسان مع الواقع ومجتمعه الإنساني، وقام على أسس ثلاثة أساسية يمكن استخلاصها من الفطرة والمنطق والوعي الإنساني والتفاعل الاجتماعي منذ بداية الخلق. هذه الأسس هي:
- الإيمان بالله: وهو يقوم على برهان منطقي يثبت وجود الخالق المدبر ابتداء، ومن ثم ينبثق من هذا التصديق التعظيم والعبادة والطاعة فيكون هذا الأساس هو الأول الذي بنى صرح أساس الدين الإسلامي، وهذا الإيمان موجود في فطرة الإنسان.وقام البرهان المنطقي عليه.
- الإيمان باليوم الآخر: هذا المفهوم ثبت في الشعور النفسي للإنسان من وجود الموت، ولا يمكن أن تستقيم الحياة بفناء اعتباطي مع وجود الخير والشر ، والعدل والظلم ، ومع وجود الوعي عند الإنسان، فهذا ينفي المعنى عن حياة الإنسان وينفي منظومة القيم و الأخلاق
- العمل الصالح: الإنسان كائن اجتماعي بفطرته ، وهذا يدفعه للتفاعل مع الأفراد والتعامل معهم مما أدى لوجود ما يسمى عقد اجتماعي وإلا سادت الفوضى وهلك الناس، فتولد عن ذلك القيم والأخلاق والتعاون والاحترام والتعايش، ولو كان الإنسان يعيش وحده افتراضًا لما ظهر هذا التفاعل وما ترتب عليه من قيم وأخلاق وعمل صالح لانتفاء محل تعلقها
إذن، الإسلام كدين يعبر عن فطرة الإنسان التي لم تبدأ مع نزول الكتب السماوية، بل هي موجودة قبل ذلك. وبالتالي، الطعن في النصوص القرآنية أو في مصدريتها الربانية لا ينفي الدين الإسلامي أو يلغي أسسه. كما أن الإنسان كان يعبد الله قبل نزول الكتب السماوية، وهذه الحقيقة واضحة في التاريخ و القرآن الكريم.
ثانيًا: دور الطعن في النصوص القرآنية
إن رفض بعض الأفراد لبعض النصوص القرآنية أو الطعن فيها لا يعكس بالضرورة رفض الدين الإسلامي ككل. فالإسلام لا يعتمد على الكتب المقدسة فقط، بل على العقل والفطرة. وفي هذا السياق، نجد أن القرآن يوضح بأن الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح من أسس الدين ، وهذه المبادئ تستند إلى الفطرة السليمة. والمنطق.
النصوص القرآنية التي تدل على هذه الأفكار:
- قال تعالى”فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا” (الروم: 30).مما يدل على أن الإنسان خُلق على فطرة الإيمان بالله، وهو عنصر أساسي في الدين.
- في قوله تعالى: “وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا”(البقرة: 213)، نجد أن الإيمان كان موجودًا في الأصل، وتعددت السبل، لكن الأسس الأساسية ثابتة.
- كذلك، في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ”(البقرة: 62)، يظهر أن الإيمان بالله والعمل الصالح هو الأساس ، وهو لا يقتصر على طائفة معينة أو كتاب معين.
ثالثًا: تحليل ظاهرة الإلحاد الفكري والنفسي
الإلحاد يمكن أن يُفهم كظاهرة فكرية ونفسية معقدة تنشأ من ظروف متعددة:
- الإلحاد كظاهرة فكرية: بعض الأفراد ينتقلون إلى الإلحاد نتيجة للقصور في منهج التعامل مع النصوص الدينية. فالفكر الديني قد يُعرض بشكل غير دقيق، مما يؤدي إلى الشك في مصداقية النصوص. كما أن غياب المنهج العلمي في تفسير الدين يساهم في هذه الحالة.
- الإلحاد كظاهرة نفسية: تتأثر بعض الشخصيات بالإلحاد بسبب صراعات داخلية مع مفاهيم دينية معينة أو نتائج سلبية مرّوا بها. إذ يمكن أن يكون الإلحاد ردة فعل على الخوف من التسلط الديني أو بسبب تجارب شخصية.
رابعًا: بناء عقلية علمية مستقلة
لتفادي هذه الظاهرة، يجب تحفيز الأفراد على بناء عقلية نقدية قادرة على الفصل بين الدين كجوهر والمفاهيم التراثية أو التفاسير الخاطئة التي قد تكون قد ربطت بالدين. يجب تعليم الناس أن الإيمان بالله لا يتوقف على فهم بعض النصوص بطريقة محددة، بل يتعداه إلى الإيمان العام بوجود الله والآخرة والعمل الصالح.
خاتمة:
إن ظاهرة الإلحاد لدى بعض المسلمين، سواء كان نتيجة للانتقال من التراث إلى الإلحاد ،أو إلى الفكر القرآني وبعده إلى الإلحاد، بسبب الطعن في بعض النصوص القرآنية لعدم فهمها ، لا تعني بالضرورة رفض الإسلام كدين. على العكس، الإسلام لا يعتمد فقط على الكتب السماوية بل على أسس ثابتة في الفطرة الإنسانية: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح. وفهم الدين يتطلب النظر إليه كمنظومة متكاملة تتجاوز مجرد النصوص. لذلك، الطعن في النصوص لا ينفي الدين، والرفض له لا يترتب عليه إلغاء لأسسه الثابتة التي يعترف بها كل فرد من خلال فطرته.
اضف تعليقا