تحديد القاتل في قصة ابني آدم
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }27 {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }28 {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ }29 {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } 30المائدة (27-30) تتناول هذه الآيات:
قصة ابني آدم دون ذكر أسمائهما صراحةً، مما يجعل تحديد القاتل بينهما مسألة تحتاج إلى تحليل دقيق للنص. السؤال المحوري هنا: من هو القائل “لأقتلنك“؟ هل هو الذي تُقبِّل قربانه أم الذي لم يُتقبَّل قربانه؟ في هذا البحث، سنعتمد على التحليل المنطقي الداخلي للنص دون اللجوء إلى القواعد المسبقة أو التأويلات التقليدية.
تحليل السياق السببي والمنطقي للأحداث
لفهم مجريات القصة، يجب أن نحدد العلاقة السببية بين الأحداث المذكورة:
- مرحلة تقديم القربان والنتيجة
- هناك حدثان رئيسيان: تقديم القربان وقبوله أو رفضه.
- النص يقول:
“إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ“
- لدينا شخصان، أحدهما قُبِل منه القربان، والآخر لم يُقبل منه.
- هذا الرفض أحدث تمايزًا بين الاثنين وأدى إلى التوتر التالي.
- ردّ الفعل الأولي: ظهور نية القتل
- تأتي بعد ذلك الجملة:
“قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ“
- هذا التصريح جاء بعد رفض قربان أحدهما، أي أن هذا الشخص استاء من نتيجة القبول والرفض، مما دفعه للتفكير بالقتل.
- ردّ الفعل الثاني: الامتناع عن القتل
- يردّ الأخ الآخر قائلاً:
“لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ“
- هنا يظهر طرفان:
- شخص ينوي القتل (القائل الأول).
- شخص مسالم يرفض القتل.
- هذا يعني أن المتحدث الأول هو صاحب النية العدوانية.
- تحقيق القتل
- بعد الحوار بين الأخوين، يقول النص:
“فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ“
- الفعل “طوّعت له نفسه قتل أخيه” يشير إلى أن الشخص الذي كان لديه نية القتل (في قوله “لأقتلنك”) هو من نفّذ الجريمة في النهاية.
استخلاص هوية القاتل بالتحليل المنطقي
- منطقياً، لا يمكن أن يكون القاتل هو الشخص الذي تقبّل الله قربانه، لأن هذا القبول يفترض صلاحه وتقواه، وهو ما يتنافى مع القتل.
- الشخص الذي رفض قربانه هو الذي نشأ لديه دافع الغضب والغيرة، وهو الذي قال “لأقتلنك”، ثم نفّذ الفعل لاحقًا.
- النص القرآني يوضح أن القتل كان نتيجة طواعية النفس، مما يعني أن الفاعل كان يعاني من صراع داخلي دفعه للجريمة، وهذا يتوافق مع شخص واجه الرفض الإلهي.
- الخاتمة
بناءً على التحليل الداخلي للنص وفق تسلسل الأحداث والعلاقة السببية بين القبول والرفض وردود الفعل، يتضح أن القاتل هو الشخص الذي لم يُتقبَّل قربانه، بينما القتيل هو الذي قُبل قربانه. هذه النتيجة مستمدة حصريًا من البناء المنطقي للنص، دون الاعتماد على قواعد تراثية أو تأويلات خارجية.
اضف تعليقا