أتموا الصيام إلى الليل
تُثير مسألة تحديد وقت “بدء الليل” جدلاً واسعاً في الدوائر العلمية والدينية، خاصةً في سياق تحديد وقت الإفطار خلال شهر رمضان. في هذه المحاضرة، سنستعرض:
- الجوانب العلمية المتعلقة بسلوك الضوء وانتقاله في الغلاف الجوي،
- التحليل اللساني للآية القرآنية ﴿أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾،
- النموذج التطبيقي الذي يجمع بين هذين النهجين لتدبر جملة ” أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ” .
- ضوء النهار سببه وجود الشمس {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }يونس5
- كما يبدأ النهار ينتهي{ …كُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ …}البقرة187
أولاً: التحليل العلمي – انتقال الضوء والانزياح الضوئي
- آلية انتقال الضوء في الغلاف الجوي:
- أثناء النهار: تسود أشعة الشمس المباشرة والمُشتتة، مما ينتج مستويات عالية من الإضاءة.
- مع اقتراب بدء الليل: يبدأ تأثير الضوء المباشر بالتناقص تدريجياً، فيظهر تأثير الانزياح الضوئي؛ أي انتقال الضوء المُشتت مثل النجوم وخيوط الشفق لتحديد مرحلة الانتقال بين النهار والليل.
- تأثير الارتفاع على ملاحظة الانزياح الضوئي:
- المناطق المنخفضة: ينخفض تأثير الضوء المباشر مبكراً، مما يُحدث تغيراً تدريجياً في جودة الإضاءة.
- المناطق المرتفعة: تستمر مستويات الضوء العالية لفترة أطول نتيجة اتساع أفق الرؤية، مما يؤخر ملاحظة الانخفاض الواضح في شدة الإضاءة.
- الاستنتاج العلمي:
- لا يُمكن اعتبار بداية الليل حدثاً فلكياً مطلقاً (كالاعتماد على غياب قرص الشمس فقط)؛ بل هي عملية نسبية تعتمد على تغير مستويات الإضاءة وانتقالها تدريجياً من الضوء المباشر إلى الضوء المُشتت.
ثانياً: التحليل اللساني للآية الكريمة
- دلالة الآية ﴿أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾:
- كلمة “إلى”: تُشير إلى الانتقال من نقطة و الوصول لنقطة أخرى كلمة “الليل”: تدل على المرحلة الزمنية التي يبدأ فيها النهار بتقلص ضوئه إلى حالة انخفاض تدرجي، ليحل بدل منه خيوط الليل ، دون تحديد نقطة بداية أو نهاية .
- مقارنة مع مصطلحات بدء النهار:
- يشير النص القرآني عند وصف الفجر إلى ظهور “الخَيْطُ الأَبْيَضُ”، والذي يمثل بدء ظهور الضوء المبكر قبل ظهور قرص الشمس ( الشروق) . هذا الاستخدام يُبرز الانتقال التدريجي بين النهار والليل.
- الاستنتاج اللساني:
- يُظهر التحليل أن المفهوم القرآني للليل يعتمد على التحول التدريجي في حالة الإضاءة، مما يتوافق مع النهج العلمي الذي يراعي الانتقال التدريجي للضوء.
ثالثاً: التكامل بين العلم والقرآن – نموذج بدء الليل
- النموذج التطبيقي:
- مرحلة النهار: تكون مسيطرة عليها أشعة الشمس المباشرة والمُشتتة، مع بداية ظهور أولى مؤشرات الانخفاض للضوء قبل شروق الشمس.
- مرحلة الليل: تبدأ عندما تنخفض شدة الضوء المباشر مع غياب قرص الشمس، ويظهر الانزياح الضوئي، وهو ما يمكن اعتباره دليلاً عملياً على بدء الفترة الزمنية لإنهاء الصيام.
- التطبيق العملي على اختلاف المواقع:
- مثال ناطحات السحاب (مثل برج خليفة)
- في الطوابق السفلى: يُلاحظ غياب قرص الشمس تماماً.
- في الطوابق العليا: يرى القاطنون قرص الشمس وتستمر مستويات الضوء المرتفعة لفترة أطول؛ إلا أن تحديد وقت الإفطار يعتمد عادةً على الملاحظة الجماعية للانزياح الضوئي في المنطقة بأسرها.
- مثال ناطحات السحاب (مثل برج خليفة)
- الاستنتاج التكاملي:
- يتفق التحليل العلمي واللساني على أن بداية الليل تُحدد عبر عملية انتقالية في نوعية الإضاءة، مما يُتيح اعتماد معايير أكثر دقة لتحديد وقت الإفطار بدلاً من الاعتماد على غياب القرص الشمسي فقط.
رابعاً: الخلاصة والنتائج
- من الناحية العلمية: يبدأ الليل عندما يقل تأثير الضوء المباشر ويظهر الانزياح الضوئي، وهو أمر نسبي يعتمد على الموقع وظروف الرؤية.
- من الناحية اللسانية: تؤكد عبارة “إلى الليل” في القرآن على مرحلة زمنية تنتقل فيها شدة الإضاءة من النهار إلى الليل بشكل تدريجي.
- من الناحية العملية: يُستحسن اعتماد معايير موحدة تعتمد على الملاحظة العلمية للانزياح الضوئي لتحديد وقت الإفطار، مع مراعاة الفروق الجغرافية والارتفاع.
الختام
إن الجمع بين الرؤية العلمية والنهج اللساني للنص القرآني يقدم فهماً متماسكاً لمفهوم بدء الليل، مما يعكس توافق النص القرآني مع التطورات الحديثة في فهم ظواهر انتقال الضوء في الغلاف الجوي.
اضف تعليقا