التدخين و الصيام

      يتناول هذا البحث مسألة تأثير التدخين على صحة الصيام وفقًا للمنظور اللساني، المنطقي، والقرآني، بعيدًا عن الاجتهادات الفقهية التراثية. ينطلق البحث من تعريف المفطرات كما وردت في القرآن، وهي الطعام، الشراب، وما يقوم مقامهما، إضافة إلى إتيان النساء، ويبحث في مدى انطباق هذه المفاهيم على التدخين، خاصة في ظل غياب أي نص قرآني مباشر يشير إليه كمفطر.

  1. التحليل اللساني لمفهوم “الشرب”

أ. الجذر اللساني ودلالاته

الجذر (ش- ر- ب) في اللسان العربي بالدلالة المادية يدل على إدخال سائل إلى الجوف عن طريق الفم. وهو مرتبط بالمفاهيم التالية:

  • شَرِبَ الماء: إدخاله إلى الفم وابتلاعه.
  • مشروب: ما يمكن شربه، أي ما يكون في حالة سائلة صالحة للابتلاع.
  • شراب: مادة سائلة تُستهلك عن طريق الشرب.

تحليل الجذر صوتيًا:

  • الشين (ش):  تدل على انتشار أو تشعب المادة.
  • الراء (ر) : تدل على التكرار أو الاستمرارية.
  • الباء (ب) : تدل على الضمّ والجمع والاستقرار.

هذا يعزز فكرة أن الشرب مادياً يتطلب مادة سائلة تدخل إلى الفم ثم الجوف، وهو ما لا ينطبق على التدخين، حيث يُستنشق الدخان كغاز دون مروره عبر الجهاز الهضمي كسائل.

  1. التحليل المنطقي لمفهوم الشرب والتدخين
  • الشرب يتطلب وجود سائل محسوس يدخل الفم ثم يُبتلع إلى الجوف.
  • التدخين عملية استنشاق غازات وجسيمات دقيقة، وليست إدخالًا لسائل مشروب.
  • حتى لو تحللت بعض المواد الكيميائية من الدخان في اللعاب، فإنها لا تجعل الدخان سائلاً مشروبًا، بل هو أشبه باستنشاق الهواء الملوث أو العطور القوية.
  • عملية امتصاص النيكوتين عبر الفم والرئتين ليست مثل الشرب، بل أقرب إلى استنشاق أي مادة متطايرة لا تُشرب.
  1. التحليل القرآني لمفهوم المفطرات

أ. المفطرات في القرآن

المفطرات المذكورة في القرآن محصورة في:

  1. الطعام
  2. الشراب
  3. ما يقوم مقام الطعام والشراب
  4. إتيان النساء

أدلة قرآنية:

  • “فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ” (البقرة 187).
    الآية تحدد أن المفطرات تتعلق بالأكل، الشرب، إتيان النساء.

ولا يوجد أي ذكر للتدخين أو أي مادة مستنشقة كمفطر.

  1. التدخين وتصنيفه ضمن المفطرات

أ. هل التدخين طعام؟

  • الطعام مادياً في القرآن هو ما يُمضغ ويؤكل ويهضم ليمد الجسم بالطاقة.
  • الدخان لا يُمضغ ولا يُؤكل ولا يُهضم، بل يُستنشق ويمتص جزئيًا عبر الرئتين.
  • إذن، التدخين ليس طعامًا.

ب. هل التدخين شراب؟

  • الشرب هو إدخال سائل إلى الجوف عبر الفم.
  • الدخان ليس سائلًا، ولا يُبتلع كسائل.
  • إذن، التدخين ليس شرابًا.

ج. هل التدخين يقوم مقام الطعام والشراب؟

  • “ما يقوم مقام الطعام والشراب” يعني أنه يغذي البدن أو يسد الجوع والعطش.
  • النيكوتين ليس مغذيًا ولا يوفر طاقة للجسم، بل هو مادة منبهة فقط.
  • لا يمكن للإنسان البقاء على التدخين وحده دون طعام أو شراب.
  • إذن، التدخين لا يقوم مقام الطعام والشراب.
  1. الخلاصة

بناءً على التحليل اللساني والمنطقي والقرآني، يمكن استنتاج أن:
✅ التدخين ليس طعامًا.
✅ التدخين ليس شرابًا.
✅ التدخين لا يقوم مقام الطعام والشراب.
–  وبالتالي، التدخين لا يُفطر الصائم وفقًا للقرآن.

كل ما عدا ذلك من اجتهادات هي منتجات بشرية لا تستند إلى نص قرآني مباشر.