مفهوم نشز ونشر والفرق بينهما

      تُعد دلالة الكلمات اللسانية في القرآن الكريم أساسية لفهم النصوص وتفسيرها بدقة. من بين هذه المفاهيم نجد “نشز” و”نشر” و”أعرض”، والتي تحمل دلالات مهمة تختلف باختلاف السياق والاستخدام. سنقوم في هذا المقال بتحليل مفهوم “نشوز” الرجل والمرأة، وتطبيقاته، بالإضافة إلى الفرق بين “نشز” و”نشر” و”أعرض”.

تحليل كلمة “نشوز”

الجذر اللساني لكلمة “نشوز” هو “نشز”، والذي يتألف من الحروف ن، ش، ز:

  1. ن: حركة ستر واختباء وخفاء.
  2. ش: حركة توزع وانتشار.
  3. ز: حركة دفع وبروز متصل.

يُعبر الجذر “نشز” عن حركة تبدأ من وضع خفي أو مستتر، ثم تنتشر أو تنتقل، وتنتهي ببروز أو ظهور ملحوظ ومستمر. هذا المفهوم يتجلى في النص القرآني عندما يتعلق الأمر بسلوك المرأة أو الرجل الذي يتسم بالتمرد أو الخروج عن المسار الطبيعي.

نشوز المرأة

في السياق القرآني والاجتماعي، يشير نشوز المرأة إلى خروج المرأة على نظام الأسرة وترك واجباتها (الستر) إلى التمرد والانتشار العلني لسلوكها، مما يجعل هذا السلوك بارزًا ومستمرًا. النص القرآني يقول:

“وَٱلَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِى ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّۭا كَبِيرًۭا” (النساء: 34).

من هذا السياق، نفهم أن نشوز المرأة لا يعني التصاقها بزوجها حبًا وغيرةً ومراقبةً وفضولاً لدرجة أن تُنغص حياته كما ادَّعى أحدهم، بل يعني تمردها وخروجها على نظام الأسرة بشكل يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية. ويهدد سلامة الأسرة.

نشوز الرجل والإعراض

نشوز الرجل يعبر عن تحول من حالة الالتزام والستر إلى التمرد والانتشار العلني للسلوك. يتضمن ذلك بروزًا واضحًا ومستمرًا لسلوك التمرد والخروج عن المسؤوليات والالتزامات الاجتماعية. النص القرآني يقول:

“وَإِنِ ٱمۡرَأَةٌ خَافَتۡ مِنۢ بَعۡلِهَا نُشُوزًا أَوۡ إِعۡرَاضًۭا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يُصۡلِحَا بَيۡنَهُمَا صُلۡحًۭاۚ وَٱلصُّلۡحُ خَيۡرٌۭۗ” (النساء: 128).

في هذا السياق، نفهم أن نشوز الرجل يعني تمرده على زوجته وإظهار سلوك غير مسؤول أو متمرد، مما يؤثر سلبًا على العلاقة الزوجية.

أما الإعراض، فهو فعل مختلف عن النشوز، إذ يعبر عن التجاهل والابتعاد بدلاً من التمرد. الجذر اللساني لكلمة “أعرض” هو “عرض”، والذي يتكون من:

  1. ع: عمق وبُعد ممتد في الشيء.
  2. ر: تكرار واستمرارية.
  3. ض: دفع قوي وشديد.

بالتالي، “أعرض” تعني الابتعاد عن الشيء وعدم الاهتمام به بشكل متكرر ومستمر وقوي، وهو ما يختلف عن النشوز الذي يعني بروز التمرد والانحراف السلوكي.

تطبيق مفهوم “ننشزها” و”ننشرها” على العظام

في الآية 259 من سورة البقرة تلاوة حفص:

“وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ”

يتمثل المفهوم هنا في رفع العظام من حالة الخفاء والتفكك إلى حالة الحياة والبروز، مما يظهر قدرة الله على إحياء الأموات وإعادة تكوينهم.

أما تلاوة وورش(نَنشُرها)”وَٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡعِظَامِ كَيۡفَ نَنشُرهَا ثُمَّ نَكۡسُوهَا لَحۡمٗاۚ” ، فهي تشير إلى توزيع الأجزاء وتركيبها بطريقة منتظمة، مما يُظهر نفس الفكرة ولكن بأسلوب مختلف، حيث أن كليهما يعبر عن تركيب للعظام ولكن من زاويتين مختلفتين: إحداهما تركز على البروز والظهور، والأخرى على الانتشار والتوزيع.

الفرق بين “نشز” و”نشر”

نشر

دلالة أصوات كلمة نشر:

  1. ن: حركة ستر واختباء وخفاء.
  2. ش: حركة توزع وانتشار.
  3. ر: حركة تكرار أو استمرارية.

يُعبر الجذر “نشر” عن عملية الانتشار والتوزيع على نطاق واسع وبشكل مستمر، دون دلالة البروز الملحوظ كما في “نشز”. ونقول: نشر الأخبار أو نشر الورق يعبر عن توزيعها على نطاق واسع وباستمرار.

الفرق بين “نشز” و”نشر” و”أعرض”

  • نشز: يتضمن الانتقال من الخفاء إلى الانتشار مع دلالة قوية على الظهور الملحوظ.
  • نشر: يتضمن الانتقال من الخفاء إلى الانتشار والتوزيع على نطاق واسع بشكل مستمر، دون دلالة قوية على البروز
  • أعرض: الامتداد والابتعاد بشكل قوي ومتكرر

نشوز المجالس

يذكر القرآن الكريم في قوله:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” (المجادلة: 11).

في هذا السياق، “انشُزوا” تعني الارتفاع أو التحرك إلى مكان آخر، مما يدل على دلالة النشوز كفعل يخص الانتقال من وضع إلى آخر، وليس مجرد التمرد كما هو الحال في نشوز المرأة أو الرجل، وخاصة انها أتت بعد فعل ” افسحوا”.

الخلاصة

يُقدم مفهوم “نشوز” دلالات محكمة تعتمد على السياق، سواء كان ذلك في الإطار الاجتماعي أو النصوص القرآنية. ويختلف “نشز” عن “نشر” في دلالة البروز والظهور العلني، كما يختلف عن “أعرض” في دلالة التمرد والانتشار مقابل التجاهل والابتعاد. كما أن تلاوتي “ننشزها” و”ننشرها” تعبران عن اختلاف تنوع في المعنى وليس تضادًا أو تناقضاً، فكلاهما يوضح كيفية إعادة بناء العظام بقدرة الله، ولكن من زوايا مختلفة. فهم هذه الفروق يساعد في تفسير النصوص وفهم السلوكيات في السياقين الاجتماعي والديني بشكل أدق.