“النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا”

  1. التحليل اللساني للآية

النص القرآني:
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).

أ. البنية النحوية:

  • النَّارُ: مبتدأ مرفوع (غير عاقل).
  • يُعْرَضُونَ: فعل مضارع مبني للمجهول، والواو ضمير متصل (نائب فاعل) يعود على “آل فرعون”.
  • عَلَيْهَا: جار ومجرور (على + ها)، والضمير “ها” في محل جر بالإضافة يعود إلى النار.

ب. الدلالة النحوية:

  • الفعل “يُعْرَضُونَ” مبني للمجهول، مما يعني أن الفاعل غير محدد أو  مخفي، والتركيز على المفعول به (“آل فرعون”) ومحل العرض (“النار”).
  • الجملة تُشير إلى أن آل فرعون هُم مَن يُوضَعون في مواجهة النار، وليس العكس.

2  .الفرق بين “العَرْض على العاقل” و”العَرْض على غير العاقل” في القرآن

أ. العرض على العاقل :

  • مثال: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً﴾ (الكهف: 48)
    • الدلالة: العَرْض هنا تفيد المحاسبة، حيث يُقدَّم الخَلْقُ إلى ربهم (عاقلٌ أو عالم).
    • المنطق: العقلانية شرطٌ لفهم المحاسبة.

ب. العرض على غير العاقل (النار):

  • مثال الآية المدروسة: “يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا”.
    • الدلالة: العَرْض هنا تفيد الوضع المكاني (إيقافهم أمام النار)، لا المحاسبة.
    • المنطق: النار عنصرٌ غير عاقل، والعرض عليها يُقصد به الإذلال النفسي (رؤية العذاب المُحدق بهم).
    • ليس الهدف إظهار النار كفاعلة، بل إظهار آل فرعون كمفعول به (كأنهم سلعة مُهانة)
  1. الفرق بين “على النار” و”للنار”:
  • “عَلَى النَّارِ”:
    • تُفيد المواجهة المكانية (كَوْعْدِهم برؤية النار عن قُرب).
  • “لِلنَّارِ”:
    • تُفيد التخصيص (أن النار مصيرهم النهائي).
  1. 4. التحليل المنطقي لصيغة الآية

أ. لماذا لَم يُقل القرآن: “عُرِضَتِ النَّارُ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ”؟

  • لأن الهدف ليس إظهار النار كطرف فاعل، بل تسليط الضوء على إذلال آل فرعون بتكرار عرضهم أمامها.
  • الصيغة المختارة “يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا” تُبرز:
  1. استمرارية العذاب (غدوًا وعشيًا).
  2. إهانتهم بإظهارهم عاجزين أمام مصيرهم.

ب. المنطق النفسي وراء العرض على النار:

  • رؤية النار بشكل متكرر تُسبِّب:
  1. الرهبة:بتذكيرهم بالعذاب الأبدي.
  2. اليأس:من خلال تأكيد أنهم لن يهربوا منها.

 5 . الخلاصة

  • الآية (غافر: 46) تُقدِّم نموذجًا دقيقًا للعذاب النفسي (وليس الجسد المدفون في التربة)  عبر توظيف اللسان العربي بمنهجية منطقية:
  1. التركيز على المفعول به (“آل فرعون”)لِإظهار ضعفهم.
  2. استخدام “عَلَى” مع غير العاقللوصف المشهدية المكانية دون افتراض الوعي.
  • الفرق الجوهري بين “العرض على العاقل” و”العرض على غير العاقل” في القرآن:
    • الأول: محاسبةٌ تفاعلية (مثال: عرض الخَلْق على الرب).
    • الثاني: إذلالٌ مرئي (مثال: عرض الكفار على النار).