هل يحق للحكومة أن تمنع تعاطي الخمور في الأماكن الخاصة
يشكّل موضوع تعاطي الخمر والمسكرات أحد القضايا الجدلية في الفهم القرآني، حيث يربط كثيرون بينه وبين التحريم المطلق، في حين أن النظر العميق في النصوص يكشف عن خطاب مختلف يقوم على النهي عن حالة السكر لا عن المادة بحد ذاتها. هذا المقال يسعى إلى تحليل النصوص القرآنية ذات الصلة وفقًا لمنطق النص القرآني ذاته، بعيدًا عن التفسيرات التراثية، لفهم الحكم المتعلق بالخمر وكل ما يؤدي إلى تغييب العقل.
مفهوم الإثم في السياق القرآني
قبل الخوض في مسألة تعاطي الخمر، من الضروري توضيح دلالة “الإثم” في القرآن. لا تأتي هذه الكلمة في سياق التحريم بذاتها، بل تشير إلى فعل يترتب عليه التأخر أو الفساد في السلوك أو اتخاذ القرار، مما يعني أنها توصيف لما يترتب على ممارسة الفعل. وللإثم مستويات؛ فمنه الكبائر التي تتصل بالمحرمات الواضحة،{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ }الشورى37، ومنه الصغائر التي تتعلق بالأفعال المنهي عنها دون أن تبلغ حد التحريم.
يقول تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ۖ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا“ (البقرة 219). نلاحظ أن النص لم يأتِ بصيغة تحريم، بل وصف الخمر والميسر بأنهما يحملان إثمًا كبيرًا مع وجود منافع، لكنه بيّن أن ضررهما أكبر من نفعهما.
النهي عن السكر لا تحريم الخمر
من الآيات القرآنية التي تتناول مسألة السكر نجد: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ“ (النساء 43). هنا نجد النهي مرتبطًا بحالة السكر وليس بشرب الخمر ذاته، مما يدل على أن الإشكال في تغييب العقل لا في المادة المستهلكة.
إذن، لم يرد نص قرآني يحرّم الخمر تحريمًا قطعيًا، بل جاءت الإشارة إلى أثرها السلبي في التأثير على وعي الإنسان وسلوكه، مما يجعلها في دائرة الأمور التي يُنهى عنها لما فيها من ضرر، لكن دون أن تكون محرمة تحريمًا قطعيًا كما هو الحال مع المأكولات المحرمة أو السلوكيات التي تنص الآيات على تحريمها بصيغة واضحة.
مسؤولية الإنسان في تعاطي المسكرات
بما أن الخمر وكل ما يؤدي إلى تغييب العقل لم يأت تحريمه بشكل صريح، فإن تعاطيه يصبح ضمن دائرة الحرية الشخصية التي ترتبط بوعي الإنسان وثقافته الدينية والصحية. فالمجتمع الذي يؤمن بقيم معينة يمكن أن يشجع أفراده على تجنب تعاطي هذه المواد، لكنه لا يملك الحق في فرض ذلك عليهم قسرًا.
وفيما يتعلق بدور الدولة، فإن مسؤوليتها تكمن في حماية المجتمع من الأضرار التي قد تنتج عن تعاطي المسكرات في الأماكن العامة أو أثناء القيادة، لكنها غير مخولة بالتدخل في خصوصيات الأفراد فيما لا يضر غيرهم. ومن هذا المنطلق، ينبغي على الحكومة أن تغض الطرف عن تعاطي الخمور في الأماكن الخاصة، لأن ذلك لا يدخل ضمن صلاحياتها، خاصة إذا لم يكن هناك نص ديني واضح يفرض التحريم.
الخلاصة
إن تحليل النصوص القرآنية يكشف أن الحكم المرتبط بالخمر لا يتعدى النهي عن السكر، وليس تحريم تعاطي المادة ذاتها. كما أن مفهوم “الإثم” لا يعني التحريم المطلق، بل هو توصيف للفعل بناءً على أثره. وبالتالي، يبقى قرار تعاطي المسكرات مسؤولية شخصية، بينما يقتصر دور الدولة على حماية المجتمع من أي ضرر قد ينجم عن استخدامها في الأماكن العامة أو في السياقات التي تؤثر على الآخرين.
اضف تعليقا