دلالة استخدام الفعل الماضي للحاضر المستمر في القرآن الكريم

     يعد استخدام الفعل الماضي للإشارة إلى الحاضر أو المستقبل أحد الأساليب الحيوية في القرآن الكريم. هذا الاستخدام يعكس قدرة النص القرآني على التفاعل مع الزمان والمكان بشكل فني وحيوي. يُستخدم الفعل الماضي أحيانًا ليُعبر عن أحداث مستمرة أو مستقبلية، مما يعطي النص طابعًا حيويًا يمتد عبر العصور، حتى لو كان الحديث في ظاهره النحوي يتعلق بزمن ماضٍ. هذه الظاهرة تحمل معاني عميقة وتستحق التأمل.

أمثلة على استخدام الفعل الماضي للإشارة إلى الحاضر والمستقبل:

  1. قوله تعالى:

“وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فِيمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ”
سورة الشورى، الآية 30

في هذه الآية، استخدم الفعل “أَصَابَكُم” في صيغة الماضي، رغم أن الحديث يتعلق بمصائب ستحدث في المستقبل، خاصة بما يتعلق بالأفعال السيئة التي يقوم بها الإنسان والتي تترتب عليها نتائج في المستقبل. الفعل الماضي هنا لا يقتصر على وقت معين في الماضي، بل يشير إلى استمرارية وقوع المصائب نتيجة لأفعال الإنسان عبر الزمن.

  1. قوله تعالى:

“وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا”
سورة الأعراف، الآية 204

الفعل “قُرِئَ” هنا في صيغة الماضي يعبر عن استمرارية قراءة القرآن وتوجيه الناس للاستماع إليه. يُفهم من هذا أن القرآن يجب أن يُقرأ ويُستمع له في كل الأوقات، سواء في الماضي، الحاضر، أو المستقبل، وهو أمر مستمر ومتجدد عبر الأزمان.

  1. قوله تعالى:

“سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ”
سورة الجاثية، الآية 13

الفعل “سَخَّرَ” في صيغة الماضي يعبر عن نعمة دائمة ومتجددة من الله سبحانه وتعالى، حيث أن الله قد سَخَّر للإنسان ما في السماوات والأرض. ورغم أن الفعل ورد بصيغة الماضي، إلا أنه يظل يعبر عن تسخير مستمر في كل الأوقات.

  1. قوله تعالى:

“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً”
سورة الإسراء، الآية 70

الفعل “حَمَلْنَاهُمْ” هنا في الماضي، رغم أنه يتحدث عن نعمة حمل الإنسان في البر والبحر، وهي دلالة على استمرارية هذا الفعل عبر الزمن. حمل الإنسان لم يكن مجرد حادثة في الزمن الماضي، بل هو عملية مستمرة تدل على نعم الله التي لا تنقطع، وتستمر عبر الأجيال المختلفة.

الاستنتاج:

الآيات القرآنية التي تستخدم الفعل الماضي للإشارة إلى الحاضر والمستقبل تحمل دلالات عميقة على استمرارية الأفعال. سواء كانت نعمة، حماية، أو تعليم، يُظهر الفعل الماضي في القرآن الكريم كيف يمكن له أن يعبر عن أحداث لا تقتصر على زمان معين، بل تستمر عبر الأزمنة المختلفة. يُظهر هذا الأسلوب الحيوي قدرة النص القرآني على التفاعل مع واقع الإنسان في كل زمان ومكان، وأن القرآن ليس مجرد خطاب تاريخي بل هو خطاب شامل ومؤثر في المستقبل أيضًا.