نقاش بعض النصوص التي أتى فيها المفرد والجمع
من المواضيع التي تثير النقاش مسألة استخدام الضمائر في القرآن الكريم، لا سيما عند الانتقال بين ضمير المفرد وضمير الجمع في نص واحد، أو في مواضع مثل قوله: “إنا نحن نزلنا الذكر“، حيث يُقال إن ضمير الجمع يُستخدم للتعظيم. وكيف أن الضمائر تُستخدم بدلالاتها الحقيقية دون اللجوء إلى التفسيرات المجازية مثل التعظيم.
النصوص المدروسة:
النص الأول: سورة النساء (13):
{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}
النص الثاني: سورة البقرة (81):
{بَلَىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
النص الثالث: سورة المنافقون (4):
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ… يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}
النص الرابع: سورة الأعراف (150):
{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ…}
تحليل الضمائر في النصوص:
- الانتقال بين المفرد والجمع:
في النص الأول والثاني نجد الانتقال من المفرد إلى الجمع:
- في سورة النساء: “من يطع الله ورسوله يدخله جنات… خالدين فيها“. بدأ النص بالإفراد (يطع، يدخله) ثم انتقل إلى الجمع (خالدين).
- في سورة البقرة: “من كسب سيئة… فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون“. بدأ النص بالإفراد (كسب، أحاطت) ثم انتقل إلى الجمع (أولئك، خالدون).
سبب الانتقال: هذا الانتقال ليس اعتباطيًا أو مجازيًا. بل يعود إلى طبيعة الموضوع:
- البداية بالإفراد تُشير إلى المسؤولية الفردية عن الفعل (الطاعة أو المعصية).
- النهاية بصيغة الجمع تُشير إلى شمولية النتيجة، حيث تُعبر عن مصير مشترك يجمع كل من ينطبق عليه الشرط. استخدام الجمع هنا يعكس التصور الجماعي للجزاء، سواء كان في الجنة أو النار.
- اسم الجنس: “العدو” و”الأعداء”:
- في سورة المنافقون: “هم العدو فاحذرهم“: كلمة “العدو” اسم جنس يُستخدم للدلالة على الفرد والجماعة معًا. المنافقون يُعاملون ككيان موحد يحمل صفة العداوة.
- في سورة الأعراف: “فلا تشمت بي الأعداء“: جاءت بصيغة الجمع للإشارة إلى أطراف متعددة تحمل العداوة.
الفرق بين “العدو” و”الأعداء”:
- “العدو” تُستخدم كوصف عام لجماعة تتصرف ككتلة واحدة تحمل صفة العداوة.
- “الأعداء” تُستخدم للتعبير عن وجود أطراف متعددة قد تكون مستقلة عن بعضها في عداوتها.
نقد فكرة “ضمير الجمع للتعظيم”:
- ضمير الجمع في القرآن:
القرآن لا يستخدم ضمير الجمع للتعظيم المجازي، بل يُستخدم للإشارة إلى فعل أو نتيجة يشترك فيها أطراف أو وسائل متعددة. مثال ذلك:
- قوله: “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون“.
- “إنا” تُشير إلى مجموعة قامت بالفعل بأمر الله وإذنه .
- “نحن” تشمل الفاعلين و الملائكة أو الآليات التي خلقها الله لتنفيذ أمره، مثل نزول الوحي.
- التعظيم والتفخيم في اللسان:
فكرة أن ضمير الجمع يُستخدم للتعظيم هي تبرير لغوي تقليدي لا يستند إلى أسس لسانية دقيقة. في اللسان، الجمع يُشير إلى الكثرة أو الاشتراك، وليس للتفخيم المجازي. والأمثلة القرآنية تؤكد هذا:
- عندما يُريد النص التأكيد على الله وحده، يستخدم ضمير المفرد: “إني أنا الله لا إله إلا أنا“.
- استخدام ضمير الجمع يُشير إلى وجود منظومة أوسع تعمل تحت إرادة الله.
- الإحكام في النصوص القرآنية:
القرآن كتاب محكم، واستخدام الضمائر فيه دقيق ومقصود. القول بأن الجمع يُستخدم للمفرد للتعظيم يُناقض هذا الإحكام، لأنه يُدخل المجاز في مواضع النصوص التي يجب فهمها بدلالاتها الحقيقية.
خلاصة:
- الضمائر في النصوص القرآنية تُستخدم بدقة:
- ضمير المفرد يدل على المفرد.
- ضمير الجمع يدل على الجمع أو كيان مشترك يحمل صفة معينة.
- اسم الجنس كـ”العدو” يُستخدم للإشارة إلى الفرد والجمع معًا، حسب السياق.
- الجمع “الأعداء” يُستخدم عندما يكون الحديث عن أطراف مستقلة تحمل العداوة.
- فكرة “الجمع للتعظيم” ليست لسانية دقيقة:
- ضمير الجمع يُعبر عن الاشتراك في الفعل أو النتيجة.
- التعظيم يُعبر عنه بطرق أخرى في اللسان، مثل الصفات أو التأكيدات.
- القرآن كتاب محكم:
- كل لفظ فيه يُستخدم بدقة، ويجب أن يُفهم ضمن منظومته اللسانية الحقيقية، بعيدًا عن التفسيرات المجازية.
اضف تعليقا