خطورة تحول شيخ الطائفة إلى قائد سياسي (خميني الدروز)
تطرح العلاقة بين الدين والسياسة إشكالًا معقدًا في المجتمعات التي تمتلك تاريخًا دينيًا متجذرًا، خاصةً عندما يتجاوز رجل الدين وظيفته الروحية إلى لعب دور سياسي مباشر. ويتعاظم هذا الإشكال حين يتحول شيخ الطائفة أو المرجع الديني إلى قائد سياسي فعلي، فيتداخل المقدس مع المصالح السياسية، وتُختزل الأمة في طائفة، والطائفة في شخص، والشخص في رؤية أحادية لا تحتمل التعدد ولا الاختلاف. تتجلى هذه الإشكالية بشكل ساطع في الحالة الإيرانية المعاصرة، حيث تحوّل رجل الدين إلى رأس الدولة، كما في نموذج الخميني وخامنئي، وهو ما يسلط الضوء على خطورة هذا التداخل.
أولاً: طبيعة رجل الدين وحدود دوره
في المجتمعات التقليدية، يؤدي رجل الدين وظيفة تفسير النصوص وإرشاد الناس في شؤونهم الروحية والأخلاقية، وهو موقع يستند إلى المعرفة الدينية والثقة الشعبية، لكنه لا يُبنى على تنافس سياسي ولا يُخضع للرقابة الشعبية أو المساءلة الديمقراطية. وبمجرد انتقاله إلى موقع الحكم السياسي، يتغير موقعه من “ناصح ديني” إلى “صاحب سلطة”، ما يُفقده الحياد ويجره إلى صراعات المصالح، ويفتح الباب واسعًا أمام استغلال الدين لتبرير السياسات القمعية أو الطائفية.
ثانيًا: الرؤية الأحادية والإقصائية
حين يتولى شيخ طائفي الحكم أو قيادة سياسية، فإنه – بطبيعته – يميل إلى رؤية العالم من زاوية طائفته فقط، وهو ما يؤدي إلى إقصاء الآخرين المختلفين عنه مذهبيًا أو فكريًا. فالفكر الديني المذهبي بطبيعته ينزع إلى اليقينية ورفض التعدد، ويصعب عليه استيعاب الممارسات الديمقراطية التي تقوم على التفاوض والتعدد والتنازل. وعندما تُمنح هذه الرؤية سلطة الدولة، تتحول الدولة من مؤسسة عامة إلى أداة في يد الطائفة، ومن ثم يُقصى الآخر، وتُؤسس لسلطة دينية استبدادية تحت غطاء “الشرعية الإلهية”.
ثالثًا: الجمود والتعصب كأدوات حكم
غالبًا ما يكون رجل الدين مؤطرًا بمنظومة فقهية أو عقدية مغلقة، يصعب عليه الخروج عنها أو تجديدها تحت ضغط الواقع. وعند تحوله إلى سياسي، لا يحمل عقلًا مرنًا إداريًا بل يمارس الحكم كما يمارس الفتوى: يقين، تعميم، وقمع للاجتهاد الآخر. التعصب الفكري الذي قد يكون مقبولًا في مجاله العقدي يصير كارثة حين يُطبق كسياسة دولة.
رابعًا: النموذج الإيراني – الخميني وخامنئي
يمثل النظام الإيراني، خصوصًا منذ الثورة الإسلامية عام 1979، أوضح نموذج لانزياح رجل الدين إلى الحكم السياسي المباشر. فالخميني لم يكتف بقيادة الثورة، بل صاغ مفهوم “ولاية الفقيه” الذي جعله المرجع الديني الأعلى والحاكم السياسي المطلق في آنٍ واحد. هذا التداخل بين الديني والسياسي جعل قراراته مصبوغة بهالة من القداسة، وحوّل معارضيه إلى “أعداء الله”.
وخلفه خامنئي استمر على النهج نفسه، حيث تمأسست السلطة الدينية بوصفها أعلى من الدستور نفسه، وصارت مؤسسات الدولة كلها خاضعة لسلطة “المرشد الأعلى”، مما ألغى فعليًا مبدأ السيادة الشعبية، وقاد البلاد إلى عزلة دولية، وقمع داخلي، وصراعات طائفية خارجية، خصوصًا في العراق، سوريا، لبنان، واليمن.
خامسًا: الطائفية كمنهج حكم
تكمن الخطورة الأكبر في اتّباع أبناء الطائفة لشيخهم الديني في السياسة، لا عن اقتناع عقلاني بل عن عصبية مذهبية. هذا الولاء الطائفي يعزز الانقسام الاجتماعي ويقوّض مشروع الدولة المدنية. فحين يتحول الولاء السياسي إلى طائفي، تصير الدولة مجرد أداة لخدمة الطائفة، وتُستباح مؤسساتها وأموالها باسم “المظلومية” أو “نصرة المذهب”، وتدخل المجتمعات في صراعات دموية لا تنتهي.
خاتمة
إن تسييس رجل الدين – خاصة شيخ الطائفة – يمثل خطراً مركباً: فهو يخلط بين القداسة والحكم، وبين النص والمصلحة، وبين الطائفة والدولة. وعندما يُتبع من قبل طائفته بشكل أعمى وساذج، يكون ذلك مدخلاً إلى خراب سياسي واجتماعي طويل الأمد. التجربة الإيرانية خير مثال على أن رجل الدين، حين يصير رئيسًا للدولة أو قائدًا سياسياً، لا يقود إلاَّ إلى الإقصاء، والجمود، والتسلط باسم الإيمان.
اضف تعليقا