هل يمكن قتل النبيين بحق
يتناول هذا المقال بالتحليل الدلالي واللساني مفهوم “قتل النبيين بغير الحق” كما ورد في النص القرآني، ويتساءل عن إمكان فهم العبارة على نحو يُحتمل فيه وجود “قتل للنبيين بحق”. ويناقش المقال هذا الاحتمال من منظور نسقي داخلي لمنظومة الخطاب القرآني، بعيدًا عن التفسيرات التراثية أو الموروثة، مع التركيز على البناء المفهومي الذي يعتمده القرآن في تصوير الحق والقتل والنبوّة.
وردت عبارة “قتل النبيين بغير الحق” في أكثر من موضع في القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى:
“ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق” (البقرة: 61)،
“سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق” (آل عمران: 181).
يثير هذا التعبير تساؤلًا مشروعًا: هل إضافة “بغير الحق” توحي ضمنًا بإمكان وجود قتل “بحق”؟
وهل يمكن فهم هذه الصيغة كأنها تميّز بين نوعين من القتل؟
سوف نجيب على هذه التساؤلات بمنهج لساني قرآني ، يُراعي منطق الخطاب وتداخله الدلالي الداخلي.
أولًا: الحق في المنظور القرآني
القرآن يستعمل كلمة الحق للدلالة على ما هو ثابت وواجب ومطابق للأمر الإلهي، كما في قوله:
“بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه” (الأنبياء: 18)
والنبي – في بنية الخطاب القرآني – ليس شخصًا عاديًا، بل هو واسطة الوحي والحق، أي أن الحق لا يكون إلا معه، ولا يُنزع عنه.
وبالتالي، فإن القول بإمكان قتل النبي “بحق”، يعني أن هناك تعارضًا بين الحق والحق، وهو ما يناقض منطق القرآن ذاته.
ثانيًا: دلالة “بغير الحق” وأثرها على الفهم
من الناحية التركيبية، عبارة “بغير الحق” يمكن – ظاهريًا – أن تُفهم على أنها تقابل “بالحق”، حسب قاعدة ( مفهوم الخلاف) تمامًا كما في قوله تعالى:
“ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق” (الإسراء: 33)
لكن السياق مختلف تمامًا؛ في هذه الآية الأخيرة، توجد استثناءات محددة منصوص عليها (مثل القصاص)
أما في حالة قتل النبيين، فلا وجود لأي نص يجيز ذلك، بل على العكس:
“أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذبتم وفريقًا تقتلون ” (البقرة: 87)
هذا النص يؤكد أن قتل الأنبياء كان بدافع الاستكبار والهوى، لا بدافع الحق.
ثالثًا: التعبير بوصف “بغير الحق” أسلوب تقريع لا تمييز
عبارة “بغير الحق” هنا لا تُستعمل لتحديد نوعين من القتل، بل تُستخدم في إطار الذم والتقريع، وبالتالي لا تطبق قاعدة ( مفهوم الخلاف) كما نقول:
“سرقه بلا سبب”، أو “ظلمه من غير داعٍ”.
فإضافة “بغير الحق” هنا تؤدي وظيفة تشديد الجُرم، لا فتح مجالٍ للتبرير المقابل.
والقرآن يعتمد هذا الأسلوب كثيرًا، كقوله:
“ولا تقتلوا أولادكم من إملاق” (الأنعام: 151)
أي أن السبب غير مبرر، ولا يعني وجود قتل آخر مبرَّر.
رابعًا: استحالة القتل “بحق” لنبي في منطق القرآن
لم ترد في القرآن أي إشارة، لا مباشرة ولا ضمنية، تبيح قتل نبي أو تُصوّره كخيار مشروع.
بل جاءت جميع المواضع التي ذُكر فيها قتل الأنبياء في سياق اللعن والتوبيخ وبيان الانحراف، كما في:
“وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق” (آل عمران: 181)
وهذا يؤكد أن القتل، أيًّا كان، لنبيّ، هو في منطق القرآن ظلم مطلق، لا يمكن تقييده بحالات مبررة.
الخاتمة
يُبيّن التحليل اللساني والمنهجي لعبارة “قتل النبيين بغير الحق” في ضوء النص القرآني أن:
- عبارة “بغير الحق” لا تهدف إلى فتح باب احتمال وجود “قتل بحق”، بل هي أسلوب ذم وتوبيخ.، ولا يصح استخدام قاعدة ( مفهوم الخلاف).
- لا يمكن، وفق منطق الخطاب القرآني، أن يُقتل نبي “بحق”، لأن النبي هو حامل الحق، وقتله هو نفي للحق نفسه.
- السياقات القرآنية تجمع على أن قتل الأنبياء هو فعل كفري استكباري لا يمكن تبريره أو تأويله.
وهكذا، يُفهم التعبير ضمن إطار منظومة متكاملة للحق والنبوة، لا كصيغة مقارنة بين أنواع مختلفة من القتل، بل كبيان لقمة الانحراف والاعتداء.
اضف تعليقا