هل وجود الشر ينفي وجود الله

       يستعرض هذا البحث مشكلة الشر التي تُعتبر إحدى القضايا الفلسفية الكبرى التي تناقش العلاقة بين وجود الشر وحضور الفاعل الإلهي الكلي القدرة، الكلي العلم، والكلي الحكمة. يعرض البحث في البداية منطق إثبات وجود الفاعل الأول الأَزلي، مشيرًا إلى أن إثبات هذا الفاعل يقتضي بالضرورة إثبات صفاته الكاملة مثل العلم، القدرة، والحكمة، بما يعزز فرضية أن نقاش الشر لا يمكن أن يُستخدم لنفي وجوده. يناقش البحث أيضًا أن الشر يقع ضمن منظومة الحدوث الحركي الثنائي الزوجي، وأن مفهومي الخير والشر يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالحرية الإنسانية والوعي، مما يثبت ضرورة وجود المحاسبة واليوم الآخر كجزء لا يتجزأ من نظام العلم والحكمة الإلهية.

       تُعدّ مشكلة الشر واحدة من القضايا التي طالما شغلت الفكر الفلسفي والديني، إذ تُطرح بشكل رئيسي في سياق العلاقة بين وجود الشر وصفات الفاعل الإلهي. في هذا السياق، يتصور البعض أن وجود الشر يشكل إشكالية في فرضية وجود إله كليّ الخير والقدرة. ولكن، يعاني العديد من النقاشات الفلسفية من خلط بين اثبات “الفاعل الأول” وبين مسألة “الشر”، حيث أن الفصل بين هذين الموضوعين يشكل أساسًا لفهم أفضل للمنظومة الكونية والعدلية. يهدف هذا البحث إلى تفكيك هذه الإشكالية عبر التأكيد على أن إثبات الفاعل الأول الأَزلي يقتضي بالضرورة إثبات منظومة صفاته مثل العلم والقدرة والحكمة، وأن مسألة الشر تتعلق بنظام الحدوث الحركي الثنائي الذي يقابله الخير.

الإطار النظري:

  1. إثبات الفاعل الأول الأَزلي:

يعتمد إثبات وجود الفاعل الأول على عدد من الحجج العقلية والفلسفية. أبرز هذه الحجج هي حجة السببية، التي تقرر أن لكل حدث سببًا، وحجة الإمكان والوجوب التي تنص على أن الموجودات الممكنة بحاجة إلى واجب الوجود. من خلال هذه الحجج يمكن استنتاج أن الفاعل الأول لا بد وأن يكون أزليًا، إذ يستحيل أن يكون له بداية أو مسبب. هذا الفاعل الأول لا بد أن يمتلك صفات الكمال، كالقدرة المطلقة والعلم الكامل والحكمة المطلقة، إذ أن نقص أيٍ من هذه الصفات يقوض من مفهوم الأزلية ويؤدي إلى التناقض.

  1. الشر كمفهوم مرتبط بالحركة والحدوث:

من المنظور الفلسفي، يتم التعامل مع “الشر” كمفهوم حادث، لا كجزء من طبيعة الكائن الأزلي. الشر لا يمكن أن يُفهم إلا في سياق التفاعلات بين الكائنات المتحركة، حيث أن له طابعًا ثنائياً يتناسب مع وجود الخير كضدّ له. وهذا يعني أن الشر لا يكون إلا في عالم الحدوث، بينما الإله الأزلي لا يتأثر بهذا التناقض الأزلي، ولا ينتمي إلى هذه المنظومة.

  1. الحرية الإنسانية وعلاقتها بالشر:

يعتبر الوعي البشري والحرية الإنسانية جزءًا أساسيًا في فهم الشر. لا يمكن للشر أن يكون موجودًا دون وجود كائنات واعية قادرة على الاختيار بين الخير والشر. هذه الحرية الإنسانية تخلق بالضرورة إطارًا من المسؤولية الفردية، التي تشكل الأساس لفكرة المحاسبة في اليوم الآخر.

  المناقشة:

     إن النقاش حول الشر لا يتعلق بنفي وجود الفاعل الأول، بل يرتبط مباشرة بالحرية الإنسانية والاختيار بين الخير والشر في إطار الزمن والمكان. يثبت الفاعل الأول بصفاته اللازمة لوجوده الأَزلي، ويُثبت هذا الوجود الحتمي ضرورة وجود الخير والشر في عالم الحدوث. وبالتالي، فإن مشكلة الشر لا تُشكل دحضًا لوجود إله قادر حكيم، بل هي تعبير عن النظام الكوني الذي يسمح بالحرية الإنسانية، التي تترتب عليها المسؤولية والجزاء.

   الخاتمة:

     إن نقاش الشر لا يناقض وجود الفاعل الأول الأَزلي، بل يجب أن يُفهم في إطار الحدوث الزماني الذي يرتبط بالحرية الإنسانية والوعي. لا يُمكن اختزال مشكلة الشر في نقاش لاهوتي يقتصر على مفهوم الإله الحكيم فقط، بل يجب ربطه بالمنظومة الكونية التي تحكمها الحرية والمسؤولية. بناءً على ذلك، يكون وجود الشر ضرورة لوجود الخير، ويعزز من ضرورة اليوم الآخر كجزء من الحكمة الإلهية الشاملة.