مفهوم كلمة “العالمين”

  • كلمة “العالمين” هي إحدى الكلمات القرآنية التي تكررت في عدة مواضع من القرآن الكريم، واستخدمت في سياقات متنوعة. من أجل فهم دلالتها بشكل دقيق، من الضروري فحص معناها في السياق اللساني والقرآني بشكل شامل، مع التركيز على أبعادها المكانية والزمانية. من خلال هذا المقال، سنحاول تقديم دراسة أكاديمية لمفهوم كلمة “العالمين” في القرآن الكريم، مع تسليط الضوء على السياقات التي وردت فيها، واستخداماتها المختلفة وفقًا للسياق الزماني والمكاني، إضافة إلى التركيز على استخدام الكلمة في آية “سلام على نوح في العالمين” (الصافات: 79) وتحليل معنى الحرف “في” في هذا السياق.
  • دلالة كلمة “العالمين” في اللسان العربي:
  • لفهم كلمة “العالمين”، من المهم أن نبدأ بتعريف “عالم” في اللسان العربي. كلمة “عالم” في أصلها تأتي من جذر “ع- ل- م” الذي يشير إلى الفهم والمعرفة. وبالتالي، تكون كلمة “العالم” تعني الوجود المدرك أو الخلق الذي يمكن معرفته. بمعنى آخر، “العالم” تشير إلى كل ما يمكن إدراكه من مخلوقات أو كائنات.
  • من جهة أخرى، كلمة “العالمين” تأتي بصيغة الجمع، وبالتالي فهي تشير إلى مجموعات أو أنواع متعددة من العوالم. ومن هنا يمكن أن تشمل “العالمين” العالم البشري أو عالم الجن أو عالم الحيوانات أو حتى العوالم الطبيعية والكونية. إذن، المعنى يعتمد بشكل كبير على السياق الذي تستخدم فيه الكلمة.
  • استخدام “العالمين” في القرآن الكريم:
  • ترد كلمة “العالمين” في القرآن الكريم في سياقات مختلفة، وتختلف دلالتها تبعًا للسياق. دعونا نناقش بعض الآيات التي وردت فيها الكلمة:
  • “يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ” (البقرة: 47): في هذه الآية، تشير “العالمين” إلى الناس في زمان بني إسرائيل. الله سبحانه وتعالى يذكر بني إسرائيل بأنهم فضلوا على باقي الأمم (العالمين) في ذلك الوقت. هنا، “العالمين” تشير إلى مجموعة بشرية معينة، ولا تتعدى هذا الإطار الزماني والمكاني.
  • “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ” (آل عمران: 42): في هذه الآية، تشير كلمة “العالمين” إلى النساء في زمنها، ولا تشمل من لم يُخلق بعد.
  • “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ” (المائدة: 20): هنا، “العالمين” تشير إلى الأمم في تلك الفترة الزمنية التي كان فيها موسى عليه السلام. فالله سبحانه وتعالى فضل بني إسرائيل على الأمم الأخرى في ذلك الزمن.
  • “أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ” (الشعراء: 165): في هذه الآية، كلمة “العالمين” لا تشير إلى كل المخلوقات. السياق هنا يتحدث عن قوم لوط، ويستنكر أفعالهم، ولا يعني قوم لوط يأتون كل الذكور في العوالم كلها والتي لم تخلق بعد.
  • دلالة كلمة “العالمين” في “سلام على نوح في العالمين” (الصافات: 79):
  • الآية “سلام على نوح في العالمين” (الصافات: 79) تثير تساؤلات حول استخدام “العالمين” في هذا السياق. من خلال دراسة السياق القرآني ومفهوم “العالمين”، نجد أن كلمة “العالمين” في هذه الآية تشير إلى الناس المعاصرين للنبي نوح. المعنى الظاهر في الآية هو أن السلام الذي خصه الله بنوح عليه السلام يشمل العوالم التي كان نوح يعيش فيها، وليس العوالم كلها في ملكوت الله
  • إنَّ استخدام حرف الجر “في” في هذه الآية يعكس الإطار الزماني والمكاني الذي كان يعيش فيه النبي نوح، ويحدد مكان تأثير هذا السلام في العوالم التي تخصه، دون التوسع إلى العوالم الأخرى التي قد تكون غير ذات صلة بهذا السياق. وهذا يعني أن السلام في هذه الآية لا يشمل كل العوالم كما قد يتصور البعض، بل يشير إلى تلك العوالم التي كان النبي نوح عليه السلام موجودًا فيها.
  • الفرق بين “في” و”على” في سياق “سلام على نوح في العالمين”:
  • لا بد من الإشارة إلى الفرق بين حرف الجر “في” و”على” في القرآن الكريم، خصوصًا في سياق هذه الآية:
  • حرف “على”: في المقابل، يمكن أن يستخدم حرف “على” للتعبير عن التفضيل أو التخصيص، كما في “سلام على نوح” حيث يشير إلى حالة من التميز والفضيلة التي منحها الله سبحانه وتعالى له.
  • حرف “في”: يعبّر عن وجود شيء ضمن إطار معين. في الآية، “في العالمين” تعني أن السلام كان موجهًا إلى نوح في عوالم معينة تخصه
  • خاتمة:
  • من خلال تحليل السياق اللساني والقرآني لكلمة “العالمين”، يتضح أن معانيها تختلف حسب السياق الزماني والمكاني. في آية “سلام على نوح في العالمين”، كلمة “العالمين” تشير إلى العوالم التي كان النبي نوح عليه السلام جزءًا منها وعلى الرغم من أن كلمة “العالمين” قد تستخدم في سياقات أوسع لتشمل جميع المخلوقات كلها، إلا أن السياق القرآني يحكم تحديد معناها. لذا، فإن “في” تعكس الإطار المحدد الزماني والمكاني الذي كان فيه نوح عليه السلام.