امتناع المقابلة بين ذات الخالق وذات الوجود واستحالة الحدّ في حق القيّوم

       يُطرح أحيانًا في الفلسفة واللاهوت العقلي سؤالٌ ظاهرُهُ استفساري، وباطنُهُ ينطوي على إشكالٍ بنيوي في التصور، وهو:
“هل ذات الله تقابل ذات الوجود؟”
ويُفترض في طيّه أن هناك حدّين متقابلين: ذات خالقة وذات مخلوقة. هذا الطرح إذا أُطلق دون ضبط يوقع في أوهام التشبيه أو التجسيم أو في التصورات الحدّية لله عز وجل، وهو ما يناقض التوحيد الخالص، بل ويُناقض الأساس المنطقي للقيّومية المطلقة.

  1. فساد السؤال من جهة البنية المفهومية:

السؤال يُجري مبدأ المقابلة بين ذاتين، وهذا يفترض:

  • وجود جهتين.
  • وتمايزًا في الوجود المشترك بينهما.
  • ومجالًا زمكانيًا يضمّهما معًا ليتمّ التمييز أو المقارنة.

وهذه الثلاثة كلّها ممتنعة في حق الله:
فهو ليس في جهة، ولا يتقاسم الوجود مع غيره، ولا يخضع لقوانين التصور أو النسبة التي تنطبق على المخلوق.

  1. القيومية تُبطل المقابلة:

اسم الله “القيوم” يقتضي أن وجود المخلوق لا قوام له بذاته، بل قائم دومًا بالله.
فالخلق وإن كان حادثًا ظاهرًا، إلا أن قيامه واستمراره ليس استقلالًا، بل تعلّقًا مستمرًا بالفعل الإلهي.

بالتالي، الوجود الحادث ليس ذاتًا قائمة تقابل ذات الله، بل هو أثرٌ إرادي صادر عن الإرادة المطلقة.

  1. نقد المقايسة بالمهندس والمصنوع:

قد يُظن أن الأمر يُقاس على المهندس الذي يصدر عنه ما يغايره:

  • المهندس ليس مصنوعه، والمصنوع مغاير له في الشكل والكينونة.

لكن هذا القياس معيب:

  • لأن المهندس فاعل ضمن النظام الفيزيائي. (الزمكان)
  • أما الله، ففعلُه ليس آليًا ولا خاضعًا لزمان ولا مادة.
  • بل فعله بلا آلة، بلا تصور سابق، بلا معية زمانية أو مكانية.

إذن لا يمكن أن يُقال إن بين ذات الله وذات الخلق مقابلة فاعل ومفعول على الطريقة المحدثة، بل قيومية لا تُدرك إلا بمفعولها الظاهر.

  1. تفسير علمي (- τ تاو) في ضوءUDT:

وفق نظرية الاتحاد الثنائي (UDT)، الوجود ينبثق من أول ( τتاو)، وهو لحظة إرادية لا زمنية، يَظهر فيها الخلق دون أن يكون موجودًا أزليًا أو نموذجًا مسبقًا في ذات الخالق.

  •  τ  ليس زمانًا، بل هو موقع التعيّن الأول الممكن بفعل الإرادة.
  • هذا يعني أن الخلق وجود حادث لا في مقابل الخالق، بل في تحتية التعيّن بفعل τ.
  • فلا مقابلة، بل تغاير في نمط الوجود:
    • الخالق: واجب، أزلي، قائم بذاته.
    • الخلق: ممكن، حادث، قائم بغيره.
  1. العلم الأزلي والخلق الفعلي:
  • علم الله ذاتي أزلي لا شيئي، لا يحتوي على صور، ولا يحتفظ بنماذج.
  • الخلق لا يظهر من “تصور”، بل من فعل إرادة قائم بالعلم.
  • وهذا العلم لا يسبق الخلق بزمن، بل بتقدّم وجودي منطقي، أي أن الله كان عليمًا قبل أن يخلق، ولكن ما شاءه خلقه عند مشيئته.

الخاتمة:

إذن لا مقابلة بين ذات الله وذات الوجود؛ لأن:

  • المقابلة تقتضي حدّين، والله لا حد له.
  • المخلوق لا يقوم بذاته ليُقابل، بل يقوم بالله.
  • وفعل الله ليس داخليًا ولا خارجيًا، بل ظهورٌ لا يُشبِه شيئًا من أفعالنا.

ولذلك:

❝امتناع المقابلة بين ذات الخالق والمخلوق هو من لوازم التوحيد العقلي، ونفي الحدود عن الله هو شرط لازم لنفي الشرك التصوري حتى في الفهم العقلي المحض.❞