مفهوم كلمة القرآن

     بتمعن في أعماق اللسان العربي،  وبتتبع دلالات أصواتها التي تحمل في طياتها كنوز المعاني، ينطلق هذا المبحث في رحلة استكشافية لكشف النقاب عن مفهوم كلمة “القرآن”. إن هذه الكلمة، التي تحتل مكانة مركزية في الوجدان الإسلامي، ليست مجرد لفظ عابر، بل هي كيان لساني متكامل يحمل في بنيته الصوتية وجذوره اللسانية أبعادًا دلالية عميقة.

سنباشر تحليلنا بتفكيك الجذر اللساني الثنائي الأصيل لهذه الكلمة الذي ظهر في مرحلة التعقل في تجمع الإنسان البدائي وتفاعله مع الطبيعة، من منطلق أن الأصل في نشأة اللسان العربي هو الجذر الثنائي متجاوزين التأثيرات الخارجية، ومسترشدين بمنهجية تعتمد على استقراء الدلالات الكامنة في كل صوت على حدة. فمن الجذر الثنائي “قر” وما يحمله من إشارات إلى التوقف والتجمع المكرر، سنتتبع مسيرة تطوره الدلالي والصرفي وصولًا إلى الصيغة النهائية “القرآن”.

   في هذا السياق، سنسلط الضوء على كيفية انعكاس المراحل الأولى للتفكير الإنساني وتفاعله مع محيطه الطبيعي على تشكل هذا الجذر. كما سنتتبع التحول النوعي الذي طرأ مع نشوء المجتمعات وبداية التفكير المنظم، وكيف أثمر هذا التطور انبثاق الفعل “قرأ” وما يحمله من دلالات أولية للقراءة والتفكر.

ثم ننتقل إلى تحليل البنية الكاملة لكلمة “القرآن”، متفحصين دلالات الزوائد اللسانية وكيف تساهم في إثراء المعنى العام للكلمة. وسنسعى لإبراز كيف تجسد هذه الكلمة مفهومًا للكيان المعرفي المتكامل الذي يدعو إلى التكرار المستمر للدراسة والتفكير ضمن إطار زمكاني متسع.

   يهدف هذا المبحث إلى التأكيد على التجذر العميق لكلمة “القرآن” في صميم اللسان العربي، وكيف يعكس بنيانها اللساني الثابت معنىً حيويًا ومتجددًا يواكب التطور المعرفي للإنسان عبر العصور. إنها دعوة للتأمل في جمالية اللسان العربي وحيويته وقدرته الفريدة على حمل أعمق المعاني وأجلّها.

 

 

 

 

تحليل كلمة “القرآن”:
أصل كلمة “القرآن” هو الجذر الثنائي “قر”. يتكون الجذر من صوتين أساسيين:

  • القاف (ق): يدل على التوقف وقطع الحركة، ومن هذا التوقف نشأت دلالات لازمة ترتبط بتجمع واستقرار الحركة.
  • الراء (ر): يدل على تكرار التوقف أو استمراره على ما هو عليه، مما يُظهر دلالة التماسك والحفظ.

من هذا التركيب، يتضح أن مفهوم “قر” يشير إلى حالة من التوقف المتكرر الذي يتسم بالاستقرار. هذه الدلالة تشير إلى الجمع والتماسك الذي ينشأ عن توقف الحركة وتكراره.

وهذا الفعل (قر) ظهر في  المرحلة البدائية للإنسان في مرحلة التعقل والانفعال مع الطبيعة

       تطور الجذر الثنائي إلى ثلاثي:
     مع نشوء المجتمع وبداية التفكير المنظم وفاعلية الإنسان، تطور الفعل الثنائي “قر” إلى الفعل الثلاثي “قرأ” بإضافة الهمزة في النهاية. الهمزة هنا تدل على بدء ظهور حركة خفيفة بعد التوقف، مما يشير إلى قيام الإنسان بعملية التفكير الأولية والتحليل والملاحظة (القراءة).

     مفهوم القرآن:
   عندما ظهر فعل “قرأ” مع ميلاد المجتمع والتفكير المنهجي، ظهرت كلمة “القرآن”كاسم ليدل على الشيء محل القراءة وبالوقت ذاته يتفاعل مع القارئ ويوجهه ويعلمه ويصحح أخطائه، إضافة ألف المد (آ) تشير إلى الإثارة والتحفيز الممتد  زمكانياً ، والنون تدل على الاحتواء المعلوماتي، بذلك يصير مفهوم “القرآن” هو الكيان المتكامل الذي يجمع ويحتوي المعلومات، ويدعو  إلى تكرار القراءة والدراسة ضمن نطاق زمكاني مستمر.

خاتمة:
كلمة “القرآن” تجسد مفهوم الجمع والاستقرار الذي يرافقه تكرار التوقف على ما هو عليه، ومع تطور الفعل إلى “قرأ”، ظهر مفهوم الدراسة والبحث المعرفي. بذلك، يعكس “القرآن” الكتاب الإلهي الذي يحتوي على المعرفة بطريقة مستمرة ومتكاملة، متجذرًا في اللسان العربي الذي يتميز بدقة دلالاته الصوتية، وصار القرءان ثابتاً كمبنى لساني محفوظ ومتحرك المعنى  بشكل مستمر وفق التطور المعرفي للإنسان