أصل البشر والقردة العليا
مقاربة جينية تطورية لفهم السلف المشترك وتميّز الإنسان
تُتداول عبارة “أصل الإنسان قرد” في الأوساط العامة بطريقة تُسقط دلالات غير دقيقة على ما تقوله العلوم البيولوجية الحديثة. إذ تُختزل معطيات علمية معقدة في مقولات مبسطة تولّد خلطًا بين مفهوم “البشر” ككائن حيّ بيولوجي غير واعٍ، و”الإنسان” ككائن بشري وُهب لاحقًا الوعي، فتميّز عن غيره.
✦ أولًا: الخلط المفهومي بين البشر والإنسان
في التصور العلمي والفلسفي الذي نعتدّ به هنا، لا يُعد مصطلح “الإنسان” مرادفًا تلقائيًا للبشر. فـ”البشر” هو الكائن البيولوجي الذي انحدر من سلف مشترك مع القردة العليا، بينما “الإنسان” هو كائن بشري تميز لاحقًا بالوعي والإدراك الذاتي، أي لحظة التأنسن، وهي لحظة غير محددة بيولوجيًا فقط، بل تتجاوزها إلى البعد الوجودي والمعرفي.
✦ ثانيًا: المقولة الشائعة تحت المجهر
القول بأن “أصل الإنسان قرد” ليس دقيقًا لا لسانياً ولا علميًا. فالعلم لا يزعم أن البشر المعاصرين تطوّروا من القردة المعاصرة، بل أن كلا النوعين انحدرا من سلف مشترك عاش قبل ملايين السنين. هذا السلف ليس قردًا بالمعنى الحديث، ولا بشرًا بالمعنى الكامل، بل كائن بدائي يشترك في سمات أولية معهما.
✦ ثالثًا: التسلسل التطوري والجينات المشتركة
تُشير الدراسات إلى أن البشر تفرّعوا عن سلف مشترك مع الشمبانزي قبل نحو 6 إلى 7 ملايين سنة. من أبرز الأنواع الانتقالية: أرديبيثيكوس راميدوس، أسترالوبيثيكوس أفارينسيس، هومو هابيليس، هومو إريكتوس، ثم هومو سابينس. ويُلاحظ في هذا التدرج نمو القدرات الدماغية، والمشي المنتصب، إلى أن بلغ البشر مرحلة التأنسن.
✦ رابعًا: الجينات لا تصنع الإنسان
البشر والشمبانزي يتشاركون قرابة 98.8% من الحمض النووي. إلا أن الفرق النوعي يكمن في بنى الدماغ العليا، واللغة، والوعي، وهي خصائص لا تُفسَّر بالجينات وحدها، بل تتطلب مقاربة فلسفية.
✦ خامسًا: التصنيف العلمي للكائنات البشرية
يصنّف علم الأحياء البشر ضمن رتبة الرئيسيات وفصيلة القردة العليا. إلا أن هذا لا يعني الانحدار من القردة الحالية، بل مشاركة سلف تطوري مشترك. بينما القردة بقيت في مسارات بيئية وبنيوية، تطور البشر حتى ظهرت لحظة التأنسن.
✦ الخاتمة
لحظة التأنسن كتميّز جوهري
ما نُسميه الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي متطور، بل بشر تأنسن بلحظة وعيٍ لا تختزلها الجينات. فالسؤال عن الأصل ليس بيولوجيًا فقط، بل يتطلب إدراكًا للانتقال من البشر إلى الإنسان.
الصياغة العلمية الدقيقة: “البشر والقردة العليا يشتركون في سلف تطوري مشترك، إلا أن الإنسان لم ينبثق من القرد، بل من البشر الذين تأنسنوا لاحقًا بظهور الوعي والإدراك الذاتي.”
اضف تعليقا