ن

{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }الغاشية 20
يردد أصحاب فرضية تسطيح الأرض هذا النص ويعرضونه كبرهان على ما يتخيلونه من شكل الأرض، بل إن أحدهم تلى كلمة (سُطِحت) بتشديد الطاء (سُطِّحت) ليدل على رؤيته الخيالية رغم أن هذه الصيغة غير واردة ولا بأي تلاوة من التلاوات الصحيحة المتتابعة في الأمة.
ومرد الخطأ الذي وقع هؤلاء فيه هو قيامهم بإنشاء فهم من جملة مبتورة من سياقها أو نص معزول عن منظومته مثل {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ } الماعون4، أو {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ }النساء43، أو {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ… }البقرة191، التي ينتمي إليها موضوع الجملة أو النص ويبنون عليه مفهوماً وهميًا أو شيطانيًا كما نلاحظ من كثير من المسلمين حتى اللادينيين يفعلون مثلهم ويستخدمون تلك الطريقة الشيطانية في الطعن بالقرءان ودين الإسلام .
نزل القرءان كخطاب إلهي للناس جميعاً غير مقيد بفهم أحد سابق أو لاحق كائناً من كان، والحجة في القرءان ذاته وليس بالتفاسير أو المعاجم، والقرءان كتاب واحد له منظومة عامة تحتوي في داخلها منظومات، وهذا يعني أن الذي يريد أن يدرس نص معين من القرءان ينبغي استحضار المنظومة العامة والمنظومة الخاصة التي ينتمي إليها موضوع النص مع امتلاك المنهج القرءاني للدراسة ونظام اللسان العربي كون النص القرءاني نزل بلسان عربي مبين والقيام بترتيل النصوص ذات الموضوع الواحد وترتيبها أولويًا حسب تموضعها في الواقع و فهم النصوص بشكل منسجم مع بعضها دون تعارض أو تناقض فيما بينها، والذي يحدد ويوجه دلالة النص هو محل تعلقه بالخطاب من كونه عامًا أو جزئيًا، ويظهر ذلك من خلال إسقاط النص على الواقع، وهذا يقتضي من المتلقي للخطاب أن يُعمل عقله و يدرس الموضوع برمته من كل الجوانب ولا يكتفي بدراسة المعنى السطحي للنص أو الحرفي ويبني مفهومه من أهداب النص اللساني ويظن نفسه أنه يعتمد على القرءان وفهمه قطعي موافق لظاهر النص ويستغرب من الذين يرفضون فهمه، ولم يدرك أن هو الذي يخالف النص القرءاني بفهمه السطحي المبتور عن منظومة القرءان ومحل تعلق الخطاب من الواقع.
ويوجد نقطة مهمة جدًا أثناء دراسة موضوع في القرءان وهي الفهم الاستقرائي الذي يُعَمَّم على ما هو من مثله ولو لم يُذكر في النص صراحة، وهذا فهم منطقي واقعي مثل نص أصل خلق البشر من تراب وماء ( طين)
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً }الفرقان54
{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ }ص71
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }الروم20
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }الحج5
{ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ }السجدة8
والواقع يدل على أن الكائن البشري هو نوع من جنس الكائنات الحية الموجودة معه على الأرض، كما أن الواقع يدل على أن هذه الكائنات عندما تموت تتحلل إلى عناصر التربة مثل تحلل جسد البشر، والمنطق يقول إن نهاية الشيء هو بدايته، وهذا يوصلنا استقراء أن الكائنات الحية أيضًا خُلقت من حيث الأصل من تراب وماء (طين) وجُعل تكاثرها أيضاً كما هو في الواقع المشاهد من خلال لقاح جنسي بينها ويتشكل جنينها من نطفة وثم علقة وثم مضغة، يعني نستطيع أن نقول: إن أصل خلق الحمار والبقر والحصان وغيرهم من حيث الأصل من تراب وماء (طين) وصار تكاثرهم فيما بعد من ماء مهين (النطفة)، ومع كل هذا الواقع والمنطق يعترض أحدهم ويقول : لم يذكر النص القرءاني أصل خلق الحمار والحصان والبقر من تراب وماء صراحة، وبالتالي لا نعرف مما خُلقوا ابتداء!، ولماذا ذكر الخالق أصل خلق البشر ولم يذكر أصل خلق الحيوانات؟ فهذا اعتراض مرفوض وفهم عقيم يخالف المعلوم بالضرورة في الواقع، وذكر الخالق أصل خلق البشر دون غيره لأن الإنسان هو محل الخطاب وترك التفاصيل ليفهمها وحده من خلال السير في الأرض باستخدام التفكير والدراسة.
ومثل هذا الاعتراض يقول بعضهم إن: الأرض ليس كوكباً لانتفاء ذكرها باسم كوكب في القرءان، وهذا فهم عجيب وغريب مثل الاعتراض السابق، فقد ذكر الخالق النجوم والكواكب والشهب، وذكر القرءان اسم الشمس والقمر والأرض، فهذه تابعة من حيث النوع لما سبق، فالشمس نجماً، والقمر كوكبًا، والأرض كوكبًا، ولكنها تتميز عنها بصفات خاصة، فليس كل نجم هو شمس، وليس كل كوكب هو قمر، وليس كل كوكب هو أرض، ولكن العكس صوابًا
ونذكر قاعدة أخرى مهمة لدراسة النص القرءاني، وهي دلالة مفهوم الكلمة العام والخاص في الخطاب الإلهي، ولنضرب مثلًا على ذلك يوضح الفكرة.
– مفهوم كلمة الناس أتت بمعنى عام يقصد به كل الناس مثل نص:
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }الناس1
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }غافر57
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة168
وأتت كلمة الناس بمعنى جزئي (فئة من الناس)
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ }يوسف46، فالرجل يقصد أنه سوف يرجع إلى قومه وليس لكل الناس
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }آل عمران173
دلالة كلمة الناس الأولى في النص غير دلالة كلمة الناس الثانية ، وكلاهما أتيتا بمعنى جزئي
لندرس دلالة كلمة الأرض في النص القرءاني وكيف أتت.
– مفهوم كلمة الأرض في القرءان تأتي بمعنى عام يقصد بها الكوكب الأرضي كله مثل نص:
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }آل عمران190
وأتت بمعنى جزئي يقصد بها مساحة أو بلدة معينة وليس كل الأرض مثل نص :
{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ }المائدة21
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21، تمكين النبي يوسف لم يكن على الأرض كلها وإنما على جزء منها في بلدة معينة.
لاحظوا كيف يقوم المتلقي للخطاب بالوصول إلى معنى النص من خلال السياق وإسقاط النص على محله من الواقع، ولا يصح فهم كلمة الأرض أينما أتت بالمعنى العام أو بالمعنى الجزئي فقط.
ونتابع الدراسة لنصين يتعلقان بفعل حصل للأرض
{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }الغاشية 20
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً }نوح19
نلاحظ أن دلالة السطح هي صفة وليس لها وجود موضوعي بذاتها، كما أنه لا يوجد في الكون شيء هو سطح فقط مركب من بُعدين (طول وعرض) فهذا مفهوم ذهني تجريدي، بينما الأشياء في الواقع مُركبة من عدة أبعاد وأهمها الثلاثة (الطول والعرض والارتفاع)، يعني أن الكائنات لها وجود مجسم بأبعاد مختلفة سواء أكان الشيء متناه في الصغر أو كبير، ولثبوت هذه الحقيقة اضطر أصحاب فرضية الأرض المسطحة أن يتخيلوا الأرض بجسم ثلاثي الأبعاد ضرورة، فمنهم من افترض أنها تشبه نصف بطيخة، ومنهم قال: تشبه نصف حبة بطاطس طوليًا ذات شكل غير منتظم، ومنهم قال: شكلها اسطوانة مخروطية رأسها إلى الأسفل، وكل هذا ليثبتوا أن لها سطح ممتد، ولا أدري لماذا لم يستطيعوا قبول أن الشكل الكروي أيضاً له سطح وممتد، مع العلم أن الأشكال المجسمة ثلاثية الأبعاد لها سطح ضرورة يناسب تشكلها حسب دلالة كلمة السطح!
وطالما أن دلالة كلمة السطح صفة يمكن أن تضاف لأشكال كثيرة سواء منتظمة مثل المكعب والهرم والكرة أو غير منتظمة مثل حبة البطاطس والكمثرى والكواكب وغيرها، فهذا يعني أن إثبات صفة السطح لشيء لا ينفي شكله المجسم ثلاثي الأبعاد، فكما أن نصف البطيخة لها سطح ونصف البطاطس لها سطح فكذلك البطيخة كاملة لها سطح وحبة البطاطس كاملة لها سطح، والسطح كما تم تعريفه هو: سطح كل شيء أعلاه الممتد معه، وهذا يعني أن كل أوجه البطيخة هو سطح لها، وكذلك حبة البطاطس سواء أكانت كاملة أو نصفها وكل الأوجه لهذا الشكل المجسم هي أعلاه
ونحن نقول: إن فعل التسطيح والبسط قد حصل للأرض وصدق الله فيما قال وأخبر، ولا يوجد خلاف على ذلك، ويكمن الخلاف بفهمنا حول شكل الأرض، هل هو جسم كروي غير منتظم أم نصف بطيخة أو شكل مخروطي وما شابه ذلك من الأقوال؟
قبل أن نتابع الدراسة لابد من ضبط تعريف كل من كلمة سطح وبسط من الناحية اللسانية.
ينبغي الانتباه إلى قاعدة: إذا اختلف المبنى اللساني للكلمة اختلف المعنى ضرورة، وهي قاعدة منطقية لسانية قام الخطاب القرءاني عليها لضرورة إحكامه وصلاحيته
ذكر ابن فارس في مقاييس اللغة
سطح: السين والطاء والحاء أصل صحيح يدل على بسط الشيء ومده، وسطح كل شيء أعلاه الممتد معه.
ما ذكره ابن فارس من شرح لدلالة كلمة سطح هو لتقريب معنى كلمة سطح وليس بدل عنها، ولذلك استخدم كلمة بسط وامتد وهي كلمات مختلفة في دلالتها عن كلمة سطح ضرورة، فماذا تعني سطح؟
سطح: تدل بهذا الترتيب الصوتي للمبنى على حركة حرة مندفعة بقوة نتج عنها حركة وتوسع بأبعاد مختلفة الاتجاه مع حفاظها على مركزها.
وهذا ما لاحظه ابن فارس من مفهوم كلمة سطح وعبر عنه بالبسط والامتداد، وحسب التعريف الصوتي لكلمة سطح لا يشترط للسطح أن يكون مستوياً، ولتحديد صفة السطح نضيف كلمة مستوي فنقول: سطح البيت مستوي، وهذا يعني أنه يمكن أن يوجد سطح غير مستوي يوجد فيه تضاريس و نتوءات، ولاعلاقة للمعنى الشائع بين الناس أن كلمة سطح تعني مستوي ضرورة فهذا تساهل في الاستخدام وليس هو المفهوم اللساني للكلمة
بسط: الباء والسين والطاء أصل واحد وهو امتداد في الشيء في عرض أو غير عرض.
وكعادة معظم أصحاب المعاجم يتساهلون كثيراً في تفسير معاني الكلمات ويأتون بمآلها فورًا أو يأتون بكلمة أخرى قريبة لها ويضعونها كمعنى لها.
بسط: تدل بهذا الترتيب الصوتي للمبنى على جمع مستقر يتحرك بحرية ينتهي بدفع وقوة. وظهر ثقافياً بصور كثيرة مثل بسط زيد يديه، نلاحظ أن يدي زيد بداية مجتمعة ومستقرة في حركتها وبعد ذلك تحرك بحرية ودفعهما بقوة، وكذلك قولنا: بسط البائع بضاعته في السوق، نلاحظ أن البضاعة كانت في حالة تجمع مستقر وبعد ذلك حركها بدفع وقوة في عملية نشرها وعرضها على الناس، ومن هذا الوجه قال أحد أهل اللغة: إن بسط تعني نشر، وهو شرح بالمآل وليس معنى الكلمة لسانيًا
تعالوا لنطبق ما ذكرنا من قواعد منهجية لدراسة النصين
هل كلمة الأرض في النصين أتيتا بدلالة عامة أم بدلالة خاصة ؟
وكما عرضت أعلاه الذي يحدد معنى الكلمة هو الواقع محل تعلق الخطاب، إذاً هلموا إلى واقع الأرض لندرسه؟
أتت كلمة سُطحت متعلقة بالأرض{وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ }الغاشية 20
والأصل أن يبقى العام على عمومه إلا بقرينة تصرفه لدلالة خاصة والقرينة تكون إما نقلية أي نص آخر يخصصها أو عقلية وتكون من خلال العلم والواقع محل الخطاب، وكون الأرض هي كتلة ثلاثية الأبعاد ضرورة فهذا يدل على أن دلالة التسطيح تتعلق بكل أوجه الأرض ضرورة، فمن يدَّعي أن الأرض كمثل نصف بطيخة أو شكل مخروطي أو نصف حبة بطاطس ليثبت أن التسطيح حصل على وجه واحد فقط يخالف عموم دلالة كلمة التسطيح وتعلقها بالأرض عموماً، فعموم النص يلزمه بالقول أن التسطيح تعلق بكل أوجه الأرض بمعنى أن سفل الأرض كما يتخيلونها ينبغي أن يكون مسطحًا أيضاً وهذا غير متحقق بالشكل المفترى من قبلهم لا بنصف البطيخة ولا بالشكل المخروطي ولا بحبة البطاطس.
ونحن نقول بعموم دلالة كلمة الأرض في النص، وبالتالي التسطيح يشمل كل أوجهها، وهذا يعني ضرورة أن شكل الأرض ككتلة ثلاثية الأبعاد هي شكل كروي غير منتظم، ويصير نص التسطيح يفيد كروية الأرض، ومن يقول إن التسطيح هو شكل يفيد الامتداد والاستواء والانتظام سواء على وجه واحد للأرض كتصور المسطحين أو على كل الأوجه الأرض، نقول له: تعال معنا في رحلة سير وبحث على سطح الأرض لنرى مصداقية تصوركم!
هل ترى كل الأرض مسطحة في الواقع كما تتخيل مستوية ومنتظمة أم يوجد تضاريس مرتفعة تمثلت بالهضاب والتلال و بنصب الجبال{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ }الغاشية19، أو منخفضة تمثلت بالوديان، أو بأحواض مائية كبيرة تمثلت بالبحار؟
وهذا ما يؤكد ما عرضناه سابقاً أن دلالة كلمة (سطح) لا تعني الاستواء والانتظام للشكل، وإنما هي صفة لأبعاده الممتدة ومتصلة بأصلها، فسطح البحر غير مستوي ولا منتظم بل هو سطح متموج، وسطح الأرض كذلك ليس مستويًا ولا منتظمًا وإنما هو سطح يوجد فيه تضاريس مرتفعة وأخرى منخفضة وأخرى متموجة وأخرى ممتدة كسهول.
إذاً، دلالة كلمة الأرض في نص التسطيح عامة وصفة التسطيح تشمل كل أوجهها ضرورة، وبالتالي بطل تصور شكل الأرض المسطح من وجه واحد! ويصير النص دليل على كروية الأرض لأن كل أوجهها مسطحة، وإذا افترضنا أنه لا يدل على كروية الأرض فهو لا ينفي كرويتها لأن التسطيح هو صفة تعلو أبعاد المجسم ثلاثي الأبعاد من كل النواحي بصرف النظر عن شكله.
أما دلالة كلمة الأرض في نص البسط{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً }نوح19،
فالواقع يحدد أن دلالتها ليس المفهوم العام وإنما هو مفهوم جزئي تعلق بالسهول والأمكنة الصالحة للمعيشة كزراعة وبناء على الغالب، وأي جزء آخر من الأرض يريد الإنسان أن يستعمره يقوم ببسطه ليلائم ظروفه وحياته، وأجزاء الأرض الأخرى غير مبسوطة مثل الجبال والهضاب والوديان ، هل هذا محل خلاف وهو أمر مشاهد ونعيشه ويدركه كل الناس؟
بينما نسمع المسطحين يقولون: إن البسط والتسطيح لا يشمل إلا وجهاً واحداً، وبقية الأوجه غير مسطحة ولا مبسوطة!
وطالما نفينا وجود موضوعي لشكل مسطح ببعدين فقط(طول وعرض) إلا في الذهن، وأثبتنا أن كل الكائنات الموضوعية ثلاثية الأبعاد، ودلالة كلمة الأرض في نص التسطيح عامة، وتشمل كل أوجه الأرض بمعنى أبعادها التي تعلوها ولا يوجد في الواقع الموضوعي شكل مسطح دون كتلة ثلاثية الأبعاد يكون نص التسطيح يدل على أن شكل كتلة الأرض منحنية على بعضها وملتفة ضرورة الذي نعبر عنه بالشكل الكروي، وبالتالي قول المسطح هو حالة ذهنية نتيجة تصوراته الوهمية وقصور طريقة تفكيره وتعامله مع الواقع والقرءان.
وهذه الطريقة التي استخدمناها في فهم التبسيط والتسطيح تطبق على كل النصوص التي تعلقت بالأرض كخلق
وبعد ذلك العرض هل يوجد نص صريح أكثر وواضح يثبت أن شكل الأرض كتلة منحنية وملتفة على بعضها تصنف من الأشكال الكروية غير المنتظمة؟.
والجواب هو لنقرأ:
{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ }الحجر19
كلمة (مددناها) تدل على أمرين معاً:
الأول: الامتداد في كل الاتجاهات دون توقف، وينبغي على الإنسان أن يتلو النص القرءاني في أي نقطة على الأرض ويشاهد الامتداد في كل الاتجاهات، وهذا لا يمكن أن يتحقق في الواقع إلا بالشكل الكروي فقط، فهو الشكل الوحيد الذي تسير عليه في كل الاتجاهات دون توقف مع تحقق الامتداد للأرض أينما نظرت لأن الشكل المستوي المسطح لابد له من نهاية عند أطرافه، وبالتالي لم يصدق خبر( والأرض مددناها..)في حال وصل الإنسان لنهاية السطح المستوي ويتوقف الامتداد، بينما في الشكل الكروي مستمر بالامتداد أينما تحرك على سطح الأرض.
الثاني: كلمة ( مددناها) تدل على شيء مجتمع متصل مندفع بقوة ، وظهر ذلك بامتداد سطح الأرض وتسويته ليصلح للعمران والعيش عليه.
فكلمة (مددناها) أفادت عملياً الصورتين معاً، الشكل الكروي للأرض عامة ، والشكل المبسوط الممتد خاصة.
فالمد والبسط هو الظاهرة التي نعيشها ونعاينها، والشكل الكروي هو الشكل العام الفلكي للأرض
والنص القرءاني الآخر الذي دل على كروية الأرض هو:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ }الزمر5
وفعل تكوير شيء على شيء لا يمكن في واقع الحال إلا أن يكون محل التكوير كروي الشكل، مثل تكوير العمامة على الرأس، فلو لم يكن الرأس كروياً لما صح تكوير العمامة عليه، فتكوير ظاهرة الليل على النهار، والنهار على الليل، برهان على حركة كروية متعاقبة على جسم كروي ضرورة.
ولا يقصد بكلمة الكروية الشكل الكروي المعروف مثل كرة القدم، وإنما الكتلة الملتفة حول ذاتها ولو بشكل فوضوي مثل حبة البطاطا مثلاً، والمقصد هو نفي عن الكوكب الأرضي صفة السطح المستوي ذو الوجه الواحد أو المخروطي المفترض.
والنص الثالث الذي يدل على جريان الأرض وعدم ثباتها في مكانها هو:
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }يس38
ومن المعروف أنه يوجد علاقة بين الشمس والأرض مرتبطين ببعض بصرف النظر عن التفاصيل ، وجريان الشمس يعني بالضرورة جريان الأرض معها لمواكبتها والحفاظ على العلاقة بينهما
والنص الرابع {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }الأنبياء33
{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس40
فصفة السباحة هي حركة دائمة ، وكلمة فلك تدل على نظام منحني، وهذا يعني سباحة منحنية مستمرة لا تقف، ولا يوجد استثناء لأي نجم أو كوكب عن هذا النظام،والأرض منهم.
والخلاصة
– هل الأرض مسطحة؟ والجواب نعم بأوجهها وأبعادها التي تعلوها على مختلف تضاريسها
– هل الأرض بساط وممتدة؟ والجواب نعم سطح الأرض ككل يوجد فيه أماكن مبسوطة لسهولة المعيشة و الحياة
– هل الأرض كروية؟ والجواب نعم بشكلها العام ككتلة
– هل الأرض كوكب؟ والجواب نعم وهي جزء من المجموعة الشمسية
– هل الأرض تدور وتجري؟ والجواب نعم فصفة السباحة التي هي الدوران والجريان صفة لازمة للنجوم والكواكب
– هل الأرض تدور أو تلف حول الشمس أم العكس؟ والجواب كوكب الأرض جزء من المجموعة الشمسية ومن الطبيعي أن يكون الجزء تابع لأصله وليس العكس.
– كيف تنسب فعل الشروق والغروب للشمس وأنت تقول أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس؟
الجواب له وجهين:
الأول: أن ظاهرة الشروق والغروب للشمس ينسب لها لأن هي مصدر الضوء وليس الأرض فالأرض لا تشرق ولا تغرب.
الثاني: أن ظاهرة شروق الشمس وغروبها هو الملاحظ لمن يعيش على كوكب الأرض ويتعامل مع الظاهرة هذه وهي حقيقة خارج ذهنه وليس وهماً.
وهذا الكلام لا علاقة له بدراسة سبب حصول ظاهرة شروق الشمس وغروبها.
– هل النهار والليل لهما وجود مستقل؟
الجواب أن النهار والليل ظواهر فيزيائية نتيجة دوران الأرض حول الشمس وليس لهما وجود مستقل.
ونهاية؛ اتبعوا أمر الله عندما قال :
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20
{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران191
{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3