رد على الدكتور محمد حبش في منشوره”إنهم يعبدون النص ولايستنيرون به…في ظاهرة إنكار المجاز”

الدكتور محمد حبش غني عن التعريف وهو صديق قديم لي منذ بداية ظهوره في دمشق كخطيب وداعية للحوار والتسامح والإنسانية، وجمعنا مع بعض حمل مسؤولية نشر الوعي والتنوير في الأمة كل من منبره وموقع وقوفه وإمكانياته والوسائل المتاحة ، وتحركنا ضمن دائرة المحبة والسلام والتسامح والحرية الفكرية والتعايش والتعاون، وهذا ما ينبغي المساس به أبدًا سواء اتفقنا أو اختلفنا في الجزئيات أو بعض المفاهيم التي لا تنقض الأصل والمبدأ الذي اتفقنا عليه.
عندما قرأت عنوان منشور الدكتور “محمد حبش” أصبت بالاستغراب لاختياره هكذا عنوان وهو من أعلم الناس و أقربهم لمنهج القرءانيين ككتب وكأشخاص! وعلى سبيل المثال المفكر الإنساني السلمي جودت سعيد وهو يتبع المنهج القرءاني بامتياز، وكذلك الدكتور محمد شحرور، وكلا الباحثين كان الدكتور محمد حبش على صلة وثيقة بهما وعن قرب وحصل لقاءات بينهما وخاصة المفكر جودت سعيد! فهل في نظر الدكتور محمد حبش كان الأستاذ جودت سعيد يعبد نصوص القرءان كمبنى لساني وظاهري في تفكيره وجامد؟
هل كان الدكتور محمد شحرور في المنهجية التي اعتمدها في دراسته وثبتها في أول كتاب له ” الكتاب والقرءان” وتتابعت الكتب الأخرى اعتماداً عليها يعبد نصوص القرءان كمبنى لساني وظاهري في تفكيره وجامد؟
وبالمناسبة قام الدكتور محمد حبش بقراءة كتابي مشكورًا ( القرءان بين اللسان والواقع) بناء على طلبي وقدَّمه للقراء في عام 2004 وصدر في دمشق، وأعيد طباعته الآن في مصر 2020 ، وسوف اقتطع أجزاء من تقديمه ليعلم القارئ عمق معرفة الدكتور محمد حبش بالمنهج القرءاني وبشكل مبكر جداً:
-[ البحث الذي بين يدَيْكَ هُو جهد يحفر في العُمق للبحث عن أسباب هُمُود رُوح الأمَّة في مُواجهة المُستقبل، وبدلًا من افتراض أسباب وِهْميَّة مُتكلَّفة، فإنَّ الباحث ـ كما دأب عليه في حياته ـ يجهد في أنْ يطرح الأجوبة صريحة مُكاشفة دُون تردُّد، إقرارًا منه بأنَّ المُشكلة أكبر من أنْ تحسمها عبارات المُجاملة، وأنَّها تتطلَّب مُواجهة مُباشرة مع الموروث الثّقافي، إنَّها مُعاناة العارفين].
– [وحين يمضي للحديث عن منابع فكرته فهُو يرفض المنابع المُستوردة، ويُصرُّ على أنَّ التّجديد إنَّما ينبغي أنْ تبعثه حاجات المُجتمع الإسلامي في المقام الأوَّل، وليس استدعاء الأزياء الفكريَّة الجاهزة من أيِّ مكان في الأرض، بل إنَّ إصراره الدّائم على التّنقيب عن الفكرة في الذّات هُو الذي يجعل الفكرة تُؤدِّي رسالتها المأمولة في نَشْر التّنوير، وإزاحة الوَهْم] (انتهى)
هذا الحكم الجائر( يعبدون النص ) يصدر من شخص لم يقرأ لهؤلاء ولم يلتق بهم ولايعلم شيئًا عن المنهج القرءاني، ولكن الدكتور محمد حبش قرأ لهؤلاء ولغيرهم ويعلم كليات وتفاصيل منهج القرءانيين، فلماذا قال ما قال، واختار هكذا عنوان؟
وللعلم أيضًا بهذه المناسبة يوجد شريحة أخرى من القراء يتهمون الشحرور ومن يتبع المنهج ذاته ( الحنيف) أنهم يجملون القبيح ويحسنونه في أعين الناس وهو ليس كذلك ، ويقصدون أن القرءان قبيح في ذاته بمضمونه وما يحتويه من عنف وإرهاب وقتل وكراهية ولا يُجدي تحسينه وتجميله وتوليفه وترقيعه وتغطية عيوبه الطائفية وفكره الإقصائي ونشر الكراهية؛ فالمشكلة في القرءان ذاته، وحكمهم هذا يدل على أن ما يعرضه أصحاب الفكر الحنيف من دراسات وأفهام مقبول منطقيًا وإنسانيًا و صواب في ذاته حتى أن بعضهم قال: أتمنى لو كان القرءان فعلاً يدل على ما ذهبتهم إليه من فكر ومنهج وفقه؛ ولكن حقيقة لا يدل على ذلك.
وعندما نحلل هذا الموقف من قبل هؤلاء الذين صاروا لادينيين نجد أن سببه هو نفي علمهم بالمنهج القرءاني ونفي فهمهم للمنهج المعروض من قبل الحنفاء في كتبهم ومنشوراتهم ومحاضراتهم، ومن قرأ منهم اكتفى بقراءة قاصرة وجزئية ومشوهة ولم يتم القراءة الكاملة للمنهج واكتفى بقراءة نصف الكلام واعتمد على داعش وحالش في بناء حكمه واتخذ موقفاً رافضاً وحكم على القرءان بالخطأ والفحش وأنه كلام البشر وليس كلام رب العالمين.
ولن نتطرق لأصحاب المثناة وموقفهم من المنهج القرءاني، فهم أقل من أن يذكروا في النقاش والحوار لغياب التفكير المنطقي عندهم ونفي الحرية، وفعلاً هم يعبدون الآباء والأكثرية والنصوص الروائية ويصدق فيهم قول الدكتور محمد حبش( يعبدون النص)!
وعود على بدء
ضرب الدكتور حبش نفي مفهوم المجاز عند الحنفاء مثلاً وانطلق منه في حكمه الجائر،( يعبدون النص) يشير إلى أن الحنفاء يتعاملون مع مبنى النص وحرفيته والظاهر من معناه لدى عامة الناس وربما الأطفال أيضاً، ولنقوم بتحليل مفهوم المجاز ومحل تعلقه وإبداء رأينا به.
[للتنويه : الدكتور شحرور لم ينف المجاز ولم يثبته بل توقف في ذلك رغم أن القارئ يجد في ثنايا كلامه هنا وهناك لفظة المجاز مستخدمة في خطابه وسياق كلامه، واستخدم كلمة الترادف كخطأ شائع وهو يقصد منها نفي وجود كلمات مختلفة بالمبنى متفقة بالمعنى، و لا ينف الترادف في القرءان بالمعنى اللساني وهو من ردف الشيء بالشيء لوجود علاقة جزئية بينهما مع الحفاظ على هوية كل منهما وتميزه]
ابتداء ينبغي حصر نقطة النقاش والحوار وتحديدها حتى لا يضيع القارئ بالتفاصيل، نحن نعد مصدر الدين كمفاهيم إيمانية وأحكام تشريعية هو القرءان فقط، وبالتالي هو محل النقاش وليس الروايات وكلام الناس أو الشعر ، فننفي المجاز عن الخطاب القرءاني كونه يتصف بالحق والصدق والإحكام، ونثبت المجاز في سائر كلام الناس كائناً من كانوا، بل هو لازم لقصورهم المعرفي ومحدودية قدراتهم العقلية والعلمية.
المجاز من التجاوز للشيء إلى شيء آخر . وتم استخدامه على عدة أوجه:
الوجه الأول: تجاوز المعنى الشائع لدى العامة نتيجة الاستخدام والألفة إلى معنى أعمق منه وفق المفهوم اللساني الذي ينسجم مع العرض القرءاني وإحكامه ومنظومة أسماء الله الحسنى، مثل كلمة ( يد الله) نتجاوز المعنى الشائع السطحي المستخدم من قبل عامة الناس لكلمة اليد أنها الجارحة إلى معنى أعمق وفق مفهوم كلمة اليد لسانياً يليق بفهم النص القرءاني وفق منظومة أسماء الله الحسنى.
ومفهوم كلمة اليد في اللسان العربي يدل على القوة الطايلة وعندما يتم استخدامها في سياق معين يظهر المعنى محكوم بالمفهوم اللساني، فعندما تضاف كلمة اليد إلى كائن مادي له أعضاء(يد الإنسان) فطبيعي أن يقفز إلى تصورنا معنى العضو الجارح وهو المعنى السائد بين الناس والشائع، ولكن من الخطأ الفاحش عند دراسة النص القرءاني أن ننطلق من المعنى الشائع بين الناس وينبغي الرجوع إلى مفهوم الكلمة لسانياً الأصل (القوة الطايلة)، وعندما تأت كلمة اليد مضافة لله، ونحن لايوجد عندنا تصور لله وذاته ( ليس كمثله شيء) وبالتالي نمنع ظهور تصورنا للعضو والجارحة في ذهننا ونتحرر من تأثير المعنى الشائع بين الناس ونرجع للمفهوم اللساني لكلمة اليد( القوة الطايلة) ونقول إن دلالة كلمة ( يد الله) تعني قوة الله الطايلة لكل شيء، وهذا يوصلنا إلى أن أثناء التعامل مع دلالة الكلمة يظهر لها صورتين:
الأولى : معنى مادي شائع في الاستخدام بين الناس ومشهور،مثل دلالة كلمة اليد للعضو الجارح كونه تمثل به القوة الطايلة
الثانية: دلالة معنوية وهي استخدام أعمق لدلالة الكلمة ويكون من كبار الناس والمثقفين والمتعلمين في كلامهم، مثل قولنا: إن زيد له يد بيضاء عندي، لايفهم أحد أن كلمة يد تعني العضو الجارح وإنما يفهموها بدلالة فعل المعروف ، وكذلك قولنا: فلان يده طايلة، نقصد أن قوته واصلة لكبار الناس ووجهائهم وسلطانهم، ومثل ذلك كلمة ( يد الله ) ( عين الله)… وهكذا يتم التعامل مع كل هذه الكلمات التي تضاف لله تفهم وفق المفهوم اللساني بدلالة معنوية منسجمة مع منظومة أسماء الله الحسنى، أما كلمات مثل عبد الله، ناقة الله، بيت الله، روح الله، عرش الله،… فهي تضاف لله كملكية أو كنسبة له ولاعلاقة لذات الله بهذا السياق وهذا ليس محل خلاف ومعروف بين العلماء.
وهذا الوجه من المجاز هو عين قولنا نحن الحنفاء ذاته نقول به ولكن ننفي عنه مصطلح المجاز لأنه غير صواب ولايصح استخدامه، وهم انطلقوا من افتراض معنى سطحي عامي شائع بين الناس وتجاوزوه فسموه مجازاً، والصواب أننا حينما ندرس القرءان ينبغي أن لا نستحضر أصلاً المعنى الطفولي السطحي الشائع في ذهن الناس، وإنما نتعامل معه كخطاب حق وصدق ومحكم في صياغته اللسانية و المنطقية.
الوجه الثاني: تجاوز المفهوم اللساني كله وافتراض معنى باطني في ذهن المتكلم لا يدل الكلام عليه لا من قريب ولا من بعيد، وهو خاص بالمتكلم كاصطلاح وهذا يظهر كثيرًا في قول الشعراء من تشبيه واستعارة وكناية وما شابه ذلك، فمثلاً لو قال أحدهم: فلان حمار، لكان بناء كلامه وصياغته اللسانية كذب وخطأ. لأن فلان ليس حمارًا فهو كائن بشري، ولو قصد التشبيه يقع في مأزق آخر يشبه فلان بالحمار بأي صورة ؟ لأن كل كائن حي له جانبين إيجابي وسلبي، فهل هو يقصد بتشبيهه بالحمار بصبره؛ فهو مدح، أم يقصد بغباء الحمار وبلادته فهو ذم، ولذلك نلاحظ أن القرءان لم يستخدم هذا الأسلوب قط وكان مباشر في خطابه صادق في صياغته ومحكم، وعندما يريد أن يشبه أحد بصفة بالحمار أو الكلب يستخدم أداة التشبيه ( كالحمار أو كالكلب) ويذكر الصفة المذمومة محل الشبه ( كالحمار يحمل أسفارا) وأداة التشبيه تمنع المطابقة الكلية بينهما وتثبت صفة الشبه فقط، فالذين حملوا التوراة في الواقع هم كائنات بشرية عاقلة وليسوا حميراً، ولكنهم عندما لم يتعالموا معها ولم يطبقوها ولم يستفيدوا منها صاروا بهذا السلوك كمثل الحمير الذين يحملون أسفارا. وهذا خطاب حق وصدق وصياغة لسانية محكمة ولايوجد فيها أي تجاوز للمفهوم اللساني.
وهذا الوجه من المجاز ننفيه جملة وتفصيلاً عن الخطاب القرءاني ، لأن الأصل في خطاب القرءان الحق والصدق والإحكام ، ونثبته في كلام الناس لأن الأصل في خطاب الناس القصور والمحدودية، فنتشدد في دراسة الخطاب القرءاني ونتقيد بقواعده وندرس المبنى بدقة لأنه صدر من لدن عليم حكيم، ونتساهل في كلام الناس كمبنى ونتعامل مع المعنى والمقصد ونصرف النظر عن قصور خطابهم كمبنى وكمنطق.
والآن وصلنا إلى نقطة مهمة جداً ألا وهي هل من يقول بالمجاز بالوجه الأول يطبق ذلك على كل نصوص القرءان أم على نصوص معينة ذات موضوع محدد؟
بمعنى آخر هل نصوص الأحكام التكليفية مثل ( محارم النكاح أو المطعومات، أو الوصايا العشر ) أو نصوص الإيمان بوحدانية الله ونفي الكفر والشرك عنه مثل ( سورة الإخلاص) يمكن أن يطبق عليها حالة المجاز ونفي المعنى الذي يستحضره الناس وهو معنى لساني صواب والانتقال إلى معنى لساني أعمق منه وترك المعنى الظاهر ونبذه؟
ألا تلاحظ دكتور محمد حبش أن من يقول بالمجاز بالوجه الأول لا يطبقون ذلك على نصوص الرسالة ويتعاملون معها حسب ظاهرها المتعارف عليه بين الناس؟
وهذا يوصلنا إلى مفهوم المحكم والمتشابه، كل نصوص الرسالة كمفاهيم إيمانية وأحكام شرعية هي من النوع المحكم ولايوجد فيها تشابه أبداً، وبالتالي لاينطبق عليها مقولة( القرءان حمَّال أوجه)، بينما النصوص الأخرى الكونية والقصصية يوجد فيها محكم ومتشابه ويتم دراسة المتشابه وفق منظور المحكم وينطبق عليها المقولة السابقة ( القرءان حمَّال أوجه).
وإحكام نصوص الرسالة لاينفي إمكانية التحرك فيها لأن صفة التشريع حدودية وليست عينية، فما يتعلق بنظام المجتمع نزلت الأحكام كحد أدنى وترك للمجتمع تجاوزها صعودًا لمواكبة التطور والمستجدات ، وما يتعلق بالعقوبات نزلت الأحكام بالحد الأعلى وترك للمجتمع تجاوزها نزولًا نحو الرحمة والإنسانية، ومثل ذلك كنظام لعبة كرة القدم مثلاً، فاللاعب له الحرية بطريقة اللعب والحركة في الملعب بأي اتجاه بشرط الالتزام بنظام اللعبة ولايتجاوز حدود الملعب، فهل يفهم اللاعبون أن يقفوا على حدود الملعب أو أن يلعبوا بصورة واحدة ثابتة أم يفهموا أن لهم الحرية بالحركة وباختيار الفعل المناسب والمجدي لهم بطريقة اللعب ضمن حدود الملعب ووفق النظام ليفوزوا باللعبة.
وهكذا الحركة بالتشريع الإسلامي وهو مفهوم الخلافة في الأرض حرية الحركة والعمل وفق حدود ونظام عام حدودي وليس عينياً، فأين الجمود وعبادة النص؟ ولماذا النسخ في تشريع إنساني حدودي غير موجه لزيد أو عبيد ويقوم على الرحمة و الإنسانية والعالمية صدر من لدن عليم حكيم خبير وجعل الإنسان كجنس خليفة في الأرض له حرية التحرك؟
ما هو منهج الحنفاء في دراسة القرءان؟
سأعرض المنهج بشكل مختصر وعام ومن يريد التفاصيل فعليه بالرجوع لكتبنا ومنشوراتنا.
تدبر الفكرة أو المفهوم من القرءان لا يكون إلا من خلال السياق وإسقاط المفهوم على محله من الخطاب واستحضار المنظومة التي ينتمي إليها النص، ولا يصح الاكتفاء بشرح المفردات أو دراسة اللفظ فقط ، انظروا مثلاً:
كلمة (أهلك) نلفظها في نصين مختلفين باللفظ ذاته والرسم لها واحد والمعنى مختلف بينهما.
1- {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى }النجم50 .
2- {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }طه132
نلاحظ أن كلمة (أهلك) في النص الأول حسب السياق ومحل الخطاب من الهلاك وجذرها (هلك).
بينما في النص الثاني نلاحظ كلمة ( أهلك) حسب السياق ومحل الخطاب من الأهل وجذرها (أهل).
فالحكم للسياق ومحل الخطاب وليس للفظ المجرد والرسم الحرفي!.
ولمعرفة مواضيع الكتاب الإلهي نتصفح مواضيع سوره ، فنجد أن الكتاب ليس هو مجرد كتاب ديني فقط ، فالدين لا يتجاوز مواضيعه في الكتاب 10% على أكبر تقدير بكل مواضيع الدين الإيمانية والشرعية والأخلاقية و القيمية ، مما يدل على أن الكتاب الإلهي أكبر من الدين فهو يحتوي مواضيع محورية تاريخية للجنس الإنساني و مراحل خلق الجنس البشري ومواضيع معرفية وكونية واجتماعية ونفسية وروحية وفلسفية …الخ، ودراسة هذه المواضيع ليست دراسة دينية وإنما دراسة علمية والاختلاف فيها هو اختلاف علمي ورأي وليس اختلاف ديني ولاعلاقة للإيمان بها أو الكفر، كما أنها لاعلاقة لها بمن يسمون أنفسهم رجال دين فهذه المواضيع لها علماؤها وليسوا هم خريجي الأزهر أو كليات الشريعة
وعلى سبيل المثال انظروا لقواعد تدبر القصص القرءاني:
 1 دراسة القصص للعبرة والتدبر والعلم بحركة التاريخ واكتشاف السنن التي تحكمه
– 2 القصص ( التاريخ) ليس مصدراً تشريعياً
-3 دراسة القصص يمكن أن تكون من البعد الماضي والمستقبلي
-4 دراسة القصص والرؤى المنامية يمكن تكون بشكل رمزي، وأسلوب الرمز غير المجاز
-5نصوص القصص الحواري هي نقل الحدث أو الحوار كما حصل على لسان أصحابه ولايعني أن يكون ذلك حقاً أو صواباً
-6 دراسة نصوص القصص تحتمل أكثر من معنى وفق المفهوم اللساني والمنطقي وهو تعدد تنوع وليس تعدد تناقض
-7 لاتقوم القصص بمنطق التشريع
-8 لا يصح قياس الشاهد على الغائب
-9 فهم القصص نسبي متحرك متشابه
-10 محاولة إسقاط القصص على محلها من الخطاب
-11 القصص القرءاني هي المراحل المهمة لتاريخ الجنس البشري التي تشكل ذاكرته الثقافية التاريخية
-12الاختلاف بفهم القصص القرءاني أو إنكار ظاهرها أو التوقف عن دراستها أو محاولة تدبرها منطقياً….الخ ، لاعلاقة له بالدين و الإيمان أو الكفر.
ومن أسلوب القرءان عدم تشريع ما هو تحصيل حاصل، مثل أن الحرية حق للإنسان وهي شيء مقدس، مع العلم عدم ذكر الحرية صراحة ولفظاً في القرءان ، وهذا لأن الحرية هي حاجة نفسية ملحة مثل حاجة الإنسان إلى الكرامة، فهما غير محتاجين إلى نص أو أن يذكرهما المشرع لأنهما تحصيل حاصل فالإنسان يولد حراً كريماً، والمجتمع يجعله عبداً ذليلاً ،ومثل ذلك كمثل حاجة الإنسان إلى الهواء والماء فلا حاجة لنزول نص تشريعي يوجب على الإنسان أن يتنفس رغم أن التنفس عملية ضرورية لحياة الإنسان، ولكن هي تحصيل حاصل فالإنسان لا ينتظر نصاً إلهياً ليتنفس أو يذكره بذلك، ولو نزل نص إلهي بذلك لكان عبثاً ومهزلة ومثار للضحك والسخرية .
ومسألة حرية الإنسان كذلك فهي حاجة له معلومة فطرة مثل حاجته للتنفس، فلا حاجة لبرهان عليها أو نزول نص إلهي يوجب قداستها.
إن الحكم إلا لله، وقد أمر أن نتبع القرءان ولا نشرك معه شيئاً، وتعهد الله بحفظ كتابه لأن الحساب سوف يتم على موجبه، فنزلت نصوص الأحكام محكمة غير متشابهة وذلك من تمام الحكمة والرحمة الإلهية،وكتاب الله بجانبه الرسالي هو مصدر رئيس لدستور الدولة وليس نهائياً وذلك حينما يكون ثقافة عامة للمجتمع،ونتعامل مع الرسالة الإلهية وفق مفهوم المقاصد والعواقب، ونزل الكتاب بلسان عربي مبين منزه عن العبث والحشو الذي يظهر بتطابق كلمات بالمعنى رغم اختلاف المبنى أو المجاز الذي هو صفة للشعر وكلام الناس ضرورة لقصورهم، وذلك لأن الخطاب القرءاني يقوم على الحق والصدق وليس على العبث أو الحشو أو اللهو، فكل كلمة في الخطاب القرءاني لها مفهوم لساني ثابت ومعاني متعددة تظهر من خلال استخدام المتكلم وفق سياق كلامه ومحل تعلق خطابه من الواقع، والقرءان منظومة واحدة يحتوي منظومات تابعة لها ومنسجمة معها ولا يصح فهم أي كلمة أو نص أو تشكيل مفهوم بمعزل عن منظومته والمنظومة العامة التي تقوم على منظومة أسماء الله الحسنى.
وقد أمرنا الله أن نكون حنفاء في دراستنا وتفكيرنا بالقرءان والواقع، وكلمة حنيف تدل على التحديث والتحرك الدائم نحو الحق أو الصواب وفق المحور الثابت، وحض القرءان على استخدام وظيفة التعقل والتفكير وجعلهما دليل ومعيار وميزان للفهم والتمييز وفق منطق علمي كوني، وجعل علاقة المسلمين بالله وليس بالبشر كائناً من كانوا، لذلك لا نجد في القرءان ذكر أمر طاعة للنبي أو لمحمد، كما أننا لا نجد ذكر لكلمة سنة أو حديث أضيفت للنبي أو محمد، وإنما السنة سنة الله، والحديث حديث الله، والأمر بالطاعة تعلق بالله ورسوله متصلاً أو منفصلاً، وأتى حكم الصلاة في القرءان وهيئتها العامة وأتى في السنة التفصيل العملي لها وهي طريقة متتابعة في الأمة دون انقطاع ولا سند لها ولا عنعنة، ولا علاقة للحديث بها قط ولا منية لأحد في نقلها لنا، ولا قيمة لأي سنة ولو تتابعت إلا إن كان لها أصل قرءاني يشرعها ولا يوجد سنة إلا للصلاة و الحج فقط، واقترح النبي مجموعة من الأذكار لنتلوها في الصلاة ليس على وجه الإلزام ولا مانع من تغييرها على ضوء القرءان والذكر والتسبيح والتعظيم لله، والأولى الالتزام بها، وما صح عن النبي من أحاديث متعلقة بمكارم الأخلاق والقيم والحض على العمل الصالح والبر والإحسان أو تبيين بعض الأحكام إنما هي صدى للقرءان واستنباط منه وتابعة له وكامنة فيه، وتلاوة القرءان أولى منها مع جواز ذكرها، ويستطيع الباحثون العلماء الوصول إليها من القرءان، ومحمد معصوم في مقام الرسول كمبلغ وتالي للوحي، ومجتهد وعالم ومعلم وداعية في مقام النبوة يصيب ويخطئ، ولذلك نجد في القرءان دائماً العتاب والتعليم والأمر بالتقوى يتعلق بمقام النبوة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الأحزاب1، وبالتالي صارت نبوة محمد لقومه وأحاديثه هي تفاعله مع القرءان وفق معطيات زمانه واحتياجاته، ورسالته للناس جميعاً تقوم على مقصد الرحمة عموماً.
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144
وعندما نقول: القرءان وكفى، نقصد بهذه المقولة مجال التشريع الديني كمفهوم إيماني أو حكم شرعي أو خبر غيبي، ولا نقصد نفي المصدرية عن غيره في غير مجال الدين من العلوم عموماً، فالقرءان ذاته حض وأمر بالسير في الأرض والدراسة و التعلم، وهذا يجعل الواقع مصدر علمي وموضع للتفكير،{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20، وكذلك أمر بدراسة التاريخ للعبرة و العظة والعلم بعواقب الأمور وهذا يعني أن التاريخ أيضاً مصدر معرفي وعلمي وليس دينياً.{قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }الأنعام11، فالنص القرءاني الذي ذكر أن الأرض مبسطة أو مسطحة هو بالنسبة للمعيشة عليها ولمن يسير عليها فهي كذلك حقيقة وليس مجازاً، والنص الذي ذكر أنها كروية أو دل على كرويتها فهو يتعلق بشكلها العام الخارجي، وهذا كله لاعلاقة له بالمجاز أبدًا، وإنما علاقته بالمنهج القرءاني الحنيف الذي يعتمد على محور الثابت والمتغير ويتعلق خطابه بالواقع، فالمشكلة بطريقة فهم بعض المسلمين وتعاملهم مع القرءان بشكل مجزأ وبمعزل عن الواقع.
وقولنا: القرءان وكفى كمصدر تشريعي، لا ينفي اتباع السنة المتتابعة التي تتعلق بطريقة الصلاة والحج كونهما طريقة تابعة لحكم شرعي نزل بالقرءان، وهذا يعني نفي عن السنة صفة المصدرية التشريعية، فهي لا تؤسس حكماً ولا مفهوماً إيمانياً ولا تثبت خبراً غيبياً، وهي ليست أحاديث وإنما طريقة عملية تابعة لحكم شرعي قرءاني، فلا يصح ذكرها مع المصدر الشرعي الذي هو القرءان .
قاعدة عامة في أصول الفهم والدراسة للدين وليس للكتاب الإلهي كله
– عندما يتعلق الأمر بالله فالأصل هو الوحدانية و التنزيه والتعظيم ,وإثبات الأسماء الحسنى لله وتفعيلها أثناء دراسة كتابه ، وأسماء الله توقيفية وليست استنباطية أو اشتقاقية من الأفعال.
– عند ما يتعلق الأمر بحقوق الناس ودمائهم وأعراضهم وأموالهم نتشدد ولا نقبل إلا ببرهان من القرءان وبفهم قطعي الدلالة وفق منهج القرءان واللسان العربي المبين الذي نزل به .
– وعندما يتعلق الأمر بفعل الخير والبر والإحسان نتساهل بالفهم ونقبل التعدد به طالما أن ذلك يرجع لمصلحة الناس.
– وعندما يتعلق بالطقوس فالأصل بها هو التوقف ولا نعبد الله إلا بنص ، ونتساهل مع كل تطوع تعبدي فردي له أصل قرءاني مثل صلاة النافلة والصيام في غير رمضان.
– يقوم التشريع في أصله على الرحمة والإنسانية وهذا يظهر في العقوبات كما يظهر في التشريعات الاجتماعية
– المقاصد الدينية هي المنظار والإطار لدراسة أي جزء من الأحكام الشرعية.
و بعد ذلك التعريف يحق لنا أن نسأل الدكتور محمد حبش، هل الحنفاء يعبدون النص ويسيرون في ظلام ؟
كم من عائب قولاً صوابًا … وآفته من الفهم السقيم
وأخيراً كل الشكر للدكتور الفاضل محمد حبش لما يقوم به من دور في التوعية و التنوير وأدعوه والأخوة القراء إلى قراءة المنهج القرءاني من مصادره والباحثين المعتمدين في ذلك التيار التنويري القرءاني كي يعلموا حقيقة المنهج القرءاني الحنيف ويتعاملوا مع القرءان مباشرة دون وسيط أو وصي عليهم وفق منهجه اللساني والمنطقي والاجتماعي والواقعي والكوني
كتب مهمة لمن يريد أن يتوسع بالقراءة في المواضيع وتفصيلها
1- علمية اللسان العربي وعالميته
2- تحرير العقل من النقل
3- ظاهرة النص القرءاني تاريخ ومعاصرة
4- القرءان بين اللسان والواقع
5- بيان من أجل ثورة الربيع العربي ومسودة مشروع نهضوي
6- الانتحار الفكري
7- دراسة إنسانية في الروح والنفس والتفكير
8- القرءان من الهجر إلى التفعيل
9- رؤية قرءانية لمواضيع اجتماعية
10- دراسة نقدية لمفاهيم أصولية ( الآحاد، الاجماع، النسخ)